أكثر من عقدين من الزمن مرت على الفترة التي كنت فيها طالبة على مقاعد الدراسة، والفترة التي تدرس فيها ابنتي الآن، سنوات طويلة مضت، وملامح اليوم الدراسي بين مدرستي ومدرستها لم تتغيّر كثيراً، روتينية الحصص هي نفسها، وطرق التدريس واحدة، وآلية العمل في الإدارة المدرسية ما زالت محافظة على نمطيتها التقليدية!
وبين أمس التعليم ويومه، يتبادر إلى الذهن سؤال: ألا يحتاج تعليمنا إلى ثورة تجديد تنفض عنه غبار التقليدية الخانق؟
كلمة وزير التعليم في منتدى التعليم الخامس كانت محفزاً لأمل بغد تعليمي أفضل، إذ أوضح أن التعليم هو الرهان، وهو حجر الزاوية للتنمية الاجتماعية والاقتصادية، وأنه الحل لكثير من المشكلات التي تتعلق بالبطالة والجهل والجريمة والمخدرات، وأن المملكة عازمة على إحداث تحولات تعتمد على بناء المواطن السعودي.
ولأن كل فرد مسؤول، كان لا بد أن تكون لنا كلمة، علَّ حرف منها يكون بذرة لشجرة تغير، قوية الجذور، وارفة الظلال في حقل التعليم.
كي نحقق التحول ونحدث الثورة المطلوبة لتحديث المنظومة التعليمية، يجب أن نكسر قالب التعليم التقليدي، أو بمعنى أوضح، علينا أن نزيل عنه ما اهترأ من أساليب، ونبقي على أساسه المتين الذي نحتاجه، ونحن نرمم بناءه بما يتواكب مع عصر الثورة التكنولوجية والمعلوماتية.
طلاب اليوم ما عادت عقولهم تستوعب أسلوب الحفظ والتلقين الذي كان يبدع فيه طلاب الأمس، فنمط التفكير والاستيعاب عندهم اختلف، وأصبح يعتمد على الملاحظة والاكتشاف والتحاور والنقاش، وهذا ما يفتقدونه في مدارسنا، وأعتقد أنه سبب رئيس في الفجوة الكبيرة بين المعلم والطالب، والتي يقع كثيرون وسط مستنقع عنف اتساعها. وخير دليل على جدوى التحاور ما حدث في البطولة الدولية الثالثة لمناظرات المدارس باللغة العربية، التي أقيمت خلال الأسبوعين الماضيين في قطر، بحضور 50 دولة مشاركة، 20 منها عربية، و30 لا تتحدث اللغة العربية.
في عصر العولمة وتلاشي المسافات، طلابنا بحاجة إلى التحاور مع الثقافات المختلفة، ليرتقي جيل قادم يتقبل تعددية الرأي وتقبل الاختلاف، ويوسع مداركه إلى ما وراء حدود الدائرة الثقافية المحيطة به إلى فلك أكبر تدور حول مداره ثقافات متعددة، في الوقت نفسه ترتقي به أجيال جديدة من ثقافات أخرى، لا تعرف عن الخليجي أكثر من خيمة وبئر بترول وحزام ناسف.
عصرنة التعليم وتطويره يحتاجان منا إلى إعادة النظر في الدوام المدرسي وآلية الحضور والغياب وعصا الخط الأحمر الذي لم يعد مجدياً في زمن أصبح فيه ضبط حضور الطالب والمعلم وتقويم أدائهما أسهل، فعلى سبيل التوضيح، ماذا لو اعتمدنا التعليم عن بُعد إن تعذر الحضور للمدرسة لأي سبب، صحياً كان أم لظروف الطقس أم لأسباب خارج هذين السببين الرئيسين، مما قد لا يغفره سجل الحضور والغياب، في هذه الحال الطالب والمعلم لن يكون لهما عذر، ولن يتحايلا لإحضار تقارير طبية أصبح الحصول عليها تجارة مربحة لكثيرين؟
ماذا لو اعتمدنا التعليم بالتجربة، كأن تعتمد المدرسة بتنظيم من الوزارة توزيع طلابها على قطاعات مختلفة، يطبقون فيها ما درسوه نظرياً بشكل عملي لتدخل المعلومة إلى أعمق مناطق فهمهم وتستوطنها؟ وماذا لو قتلنا شبح الواجبات المدرسية وألغيناه، بحيث يصبح الطالب حراً في يومه بعد خروجه من المدرسة ليعود إليها بشوق، بدلاً من إرهاق يثقل كاهل استيعابه، من خلال يوم دراسي طويل تعقبه مشنقة تهدد استمتاعه ببقية يومه، اسمها الواجبات المدرسية، ما يجعله كارهاً للمدرسة والعلم والتعليم؟
أفكار كثيرة لا تسعها مقالة ولا عشر، تجعل من التعليم متعة تخلصنا من الغياب المتكرر، والعنف المتبادل بين الطالب ومعلمه، وحيلة تلخيص المقرر لبضع وريقات تسمح للطالب باجتياز سنته الدراسية بنجاح، ولكنها تمنحه شهادة رسوب بجدارة في مدرسة الثقافة والعلم، ليصبح على هامش الحياة. في عصر التحول الوطني نحتاج لأفكار خارج نطاق التقليدية، لننمو بوطني، فهل من جديد للتجديد؟