لا تبدو في الأفق، اليوم، فرصة لتحقيق مبدأ الاعتماد على الذات. إذ يتضافر مع الحقيقة الراسخة المتمثلة في محدودية الموارد الوطنية، تعاظم التحديات الداخلية كما العابرة للحدود.
إذ إن الأردن، عمليا، في حالة حرب، تحديداً لدرء مخاطر الإرهاب المستشري في المنطقة. ولا تبدو موازنة الإنفاق العسكري المقدرة بحوالي 1.9 مليار دينار، كافية إزاء التزايد المطرد في كلف الاحتياجات على هذا الصعيد، والتي تشمل متطلبات مواجهة التحديات على الحدود، وتلك الداخلية.
وتفقد فكرة الاعتماد على الذات بريقها أيضا عند النظر إلى عجز الموازنة العامة الكبير، وبالتالي الارتفاع الحاد في الحاجة إلى مِنح ومساعدات عربية وأجنبية. وهو ما يرتبط بشكل وثيق، طبعاً، بضعف الفرص لتحقيق إيرادات مالية محلية تكفينا المنح الخارجية وكلفها المتنوعة، تزامناً مع الحصار غير المعلن للاقتصاد، وتراجع الاستثمار الجديد؛ محلياً كان أم إقليميا أو حتى أجنبيا.
هكذا، يبدو الحديث الآن عن الاعتماد على الذات أشبه بفذلكة ومزايدات، في ظل التباطؤ الذي يعاني منه الاقتصاد، امتدادا لوضع الاقتصاد الإقليمي ككل، بل وحتى العالمي الذي يرى صندوق النقد الدولي أنه لا يملك فرصا كبيرة للتعافي قريباً.
ومن ثمّ، وعلى عكس المبدأ المرغوب حتماً بالاستغناء عن الغير، يبدو الاقتصاد الأردني أسير منطقة وعرة، مع غياب الأفق بحلول قريبة، وبحيث لا يبدو من مسار سوى التطلع للآخرين لمساعدة اقتصادنا على الخروج من الزاوية الحرجة التي وصل إليها، نتيجة الظروف الإقليمية أولا، والتي فاقم من تأثيراتها وتداعياتها غياب البرنامج الاقتصادي الوطني المتضمن لبدائل تعمل على الأقل على التخفيف من حدة الواقع.
بل إنه بدلاً من الحديث عن المضي، ولو خطوة، في الاعتماد على الذات، تؤكد الأرقام أن حكومتنا تنفق أكثر بكثير من إمكاناتنا؛ إذ فاق الإنفاق العام الأردني على الحكومة المركزية والمؤسسات المستقلة مبلغ 10 مليارات دينار، في وقت لا يصل إجمالي الإيرادات المحلية، رغم تزايد قرارات الجباية، إلا إلى حوالي 8 مليارات دينار.
طبعاً، تعقّد المشهد أكثر بوجود 1.2 مليون سوري، بين لاجئ ومقيم، منذ سنوات؛ وتواضع فرص عودتهم لبلادهم في المدى القريب. وهو ما فرض على المملكة طلب المزيد من المنح والمساعدات، التي بقيت لا تغطي أكثر من 40 % من كلف إقامة هؤلاء اللاجئين. ولتكون النتيجة ظهور عامل إضافي حاسم في إضعاف فرص الاستغناء عن المنح الخارجية.
مفروغ منه أن هذا السعي إلى مساعدة الآخر، والارتباط به بالتالي، لهما كلفهما السياسية والاقتصادية، وحتى الاجتماعية أيضاً؛ بما قد يجعل الأردن مرهونا دائماً وتماماً للخارج. ناهيك عن أن ذلك يزيد المسافة بيننا وبين طموح الاعتماد على ذاتنا؛ إذ لا بد أن يكون ذلك من خلال استقلاليتنا في بناء نموذج اقتصادي نافع ومفيد وطنياً قبل أي شيء آخر. فيما على النقيض من ذلك، لا يسمح الإنفاق المعتمد على الخارج، من قروض ومنح ومساعدات، في البدء ببناء هوية للاقتصاد الأردني، بل ويكرّس الفكرة الشعبية الأقرب للخرافة، بأن “اصرف ما في الجيب.. يأتيك ما في الغيب”!
هكذا هي المنح الخارجية، على تعدد مسمياتها ومجالات استهدافها؛ تبقيك معلقاً على الأمل من دون أن تستطيع التخطيط لعام مقبل. وبما يعني، بالنتيجة، تأخر فرص الاستقلال الاقتصادي، مع كلف ذلك المتزايدة على الوطن، في المجالات كافة، وليس المجال الاقتصادي فحسب. ففي علاقتنا مع الدول المانحة يبدو عدم التوازن هو العنوان، معبَّراً عنه بعدد من القرارات المفاجئة؛ من قبيل المضي في إبرام اتفاقية شراء الغاز من إسرائيل، وأمس استدعاء سفيرنا في طهران.