اللاجئون السوريون هم الشهداء الأحياء. مَنْ لا يستشهد اليوم يستشهد غداً أو بعد غد. ربما كان الموت أرحم من حياة الذل في معسكر أو أمام أسلاك شائكة ورصاص مطاطي وغاز مسيل للدموع.
كل يوم هناك قصة أو مأساة، وقرأت عن بنت أخذها إرهابيو داعش سبيّة، وتناوب بعض على ملكيتها، البنت قُتِل أخوها، وطلبت إذناً لدفنه، غير أن الإرهابي المحلي قال لها إنه لا يستحق الدفن، وإنما تُرِكت جثته في العراء.
إرهابي اشترى البنت وسجنها في قبو تحت الأرض، وكان يعود اليها بين حين وآخر، ثم هبط الى القبو يوماً، ووجد أنها شنقت نفسها.
أستطيع أن أروي قصة ثانية وثالثة وعاشرة عن معاناة السوريين، خصوصاً الإناث، تحت حكم داعش في سورية والعراق، إلا أن القصص تبدو وكأن كل واحدة تكرار للقصة السابقة.
أتوقف هنا لأقول للقارئ إن القصة التي بدأت بها نقلتها بتصرف عن مأساة إغريقية بطلتها انتيغوني، وهي أخت أو بنت الملك أوديب.
ما جعلني ألجأ الى الأسطورة هو قراءتي أن المخرج السوري عمر أبو سعدة قدَّم في العاصمة الأردنية مسرحية «نساء طروادة» التي شارك في أدائها 24 لاجئة سورية.
ما يُسمّى «تراجيديا أغريقية» أكثره خرافات مثل قصة الكترا التي تقتل أمها كلمنسترا أباها الملك اغاممنون، وتنتقم البنت بقتل أمها. غير أن التراجيديا السورية حقيقة لا خرافة، وتحت نظر الأمة وملء أسماع العالم كله.
مع استمرار المأساة الإغريقية الجديدة في سورية تصبح الأرقام من دون معنى. هناك 2.5 مليون لاجئ سوري في تركيا، و1.1 مليون لاجئ في لبنان، وحوالى 650 ألفاً في الأردن، و120 ألفاً في مصر. ثم هناك سبعة ملايين سوري هُجِّروا داخل بلادهم. وأقل رقم عندي لضحايا القتال منذ أوائل 2011 هو 250 ألفاً، والرقم يرتفع الى 400 ألف عند بعض الجماعات الإنسانية.
كم غرِق من السوريين في البحر؟ الأرقام التي عندي، وأكثرها من الأمم المتحدة، تشير الى حوالى خمسة آلاف ضحية سنة 2014، وحوالى سبعة آلاف السنة الماضية، منهم 1250 غرقوا في نيسان (أبريل) وحده.
كل بيت سوري فيه مجلس عزاء، هناك سائق أتعامل معه في بيروت قرر أن يروي لي أسماء الضحايا من أسرته في ريف حلب، وبينهم أخ وأولاد عم ونساء.
كل محاولة سابقة للسلام في سورية فشلت ولا أرى أن الجهد الجديد في جنيف سيغير شيئاً من الوضع. وقف إطلاق النار يُنتَهَك كل يوم، ومواقف الأطراف المتنازعة يناقض بعضها بعضاً، ولا أرضية مشتركة يمكن أن تصل بالسوريين الى برّ السلامة.
أتمنى لو أكون مخطئاً إلا أنني لا أجد سبباً للتفاؤل والنظام يريد من المعارضة أن تستسلم، والمعارضة الوطنية تريد رحيل النظام. داعش والنصرة وفروع القاعدة الأخرى عصابات إرهابية، ولا أدخِلُها في الحساب السوري، بل يجب أن تُقهَر وتُدَمَّر إن كان لسورية أن تنهض من جديد.
اللاجئون في اوروبا غالبيتهم من السوريين وأحيي بلداناً مثل المانيا والسويد وايطاليا وفرنسا وهولندا التي استقبلت عشرات الألوف منهم. إلا أنني أريد نهاية التراجيديا وأن يعود السوريون الى بلادهم وأن أعود معهم.