لكنما الجديد هو أن الكاميرات ووسائل الاتصال الاجتماعية كانت حاضرة هذه المرة لتطوف الوحشية الصهيونية بالصوت والصورة جنبات المعمورة مظهرةً ما أُخفي من بشاعاتها المستمرة لما قارب ثلاثة أرباع القرن، وأيضًا مدى الانحدار الذي هوت لدركه سلطة “اوسلوستان” في تعاونها مع محتليها…
يا أنت، يا وطنا حُمِّلتُ يا وجعا
يالحلم يُذبح يا دمي انتقعا
ما ثم معتصم للحق منتصر
ولا لإمر قصير انفه جَدَعا
………………………….
يا أنت، يا نحن، يامن ليس يفهمنا
إلا الذي مثلنا من يعرف الوجعا
لا هنت، لا ضعت، لا هوِّدت يا وطنا
منه الشهيد إذا شيَّعته رجعا
…………………………..
في أيامنا هذه، أستعيد هذه الأبيات التي سبق وأن ارتجلتها قبل ما يقارب العقدين… أستعيدها، كلما ترجَّل بطل أو بطلة من شهداء انتفاضة الفدائيين التي تعيشها فلسطين المحتلة الآن. هذه الانتفاضة التي قلنا سابقاً إنها المستمرة ولن تتوقف، ولسببين رئيسين وثالثهما. الأول، إنها ليست سوى واحدة في مسلسل من الانتفاضات، أو المحطات النضالية المتتالية منذ أن بدأ الصراع على فلسطين وإلى أن يحسم لصالح أهلها لا مستعمريها. والثانية، إنها بالنسبة لشعب يتعرض للإبادة المادية والمعنوية على مدار الساعة، باتت ممارسة لحياة يومية، وإثبات لوجود عنيد عصي على الزوال، واستجابة موضوعية لمعادلة ما دام هناك احتلال فحتَّام مقاومته… أما ثالثهما، ففشل مزدوج ومعترف به من قبل المحتلين والمتعاونين أمنيًّا معهم من الأوسلويين في محاولتهم وأدها، أو إيقاف مثل هذه الصيرورة الفلسطينية المقاومة بمحطاتها الكفاحية المتتالية وما قد تشهده من صعود قد يعتريه هبوط سرعان ما تعيد له وقائع الاشتباك واستحقاقات وجوب البقاء صعوده. هذه أمور كنا قد تعرضنا لها فيما سبق؛ لذا نتوقف لنعود للشهداء، أو لمن هم واحدة من آيات شعب لا من خلاف حول أسطورية صموده وفرادة تضحياته، والخالدين الذين إذا ما شيِّعوا تخالهم يعودون لتواتر قوافلهم التي هي من ديدن الصراع والمستمرة باستمراره… هؤلاء الذين يقودون الآن وحدهم الانتفاضة الفدائية، ولهم وحدهم فحسب منح ويمنح شعبهم المناضل شرف قيادته حتى انتصاره بتحرير كامل فلسطينه والعودة إليها.
عندما انطرح الشهيد عبدالفتاح الشريف أرضًا نازفًا يحتضر، كان أول ما فعله القتلة هو التأكد من كونه أعزل، وأن ولا من حزام ناسف لديه، وبعدها لم يتورعوا عن إطلاق النار على رأسه للإجهاز عليه. لم يك الشهيد الأول الذي قضى على هذا النحو، ولم تك هي الوحشية الصهيونية الجبانة التي تحدث لأول مرة. إنه ديدنهم منذ أن كان الصراع، لكنما الجديد هو أن الكاميرات ووسائل الاتصال الاجتماعية كانت حاضرة هذه المرة لتطوف الوحشية الصهيونية بالصوت والصورة جنبات المعمورة مظهرةً ما أُخفي من بشاعاتها المستمرة لما قارب ثلاثة أرباع القرن، وأيضًا مدى الانحدار الذي هوت لدركه سلطة “اوسلوستان” في تعاونها مع محتليها… ولنأخذ مثلين فضحتهما دماء الشريف الزكية، الأول صهيوني، إذ لم تنِ الأصوت القليلة الأذكى الحريصة على الغلالة الأخلاقية الزائفة التي نُسجت لإخفاء الصورة المجرمة للكيان الغاصب من الخفوت، بعد أن تعالت الأصوات الغالبة في كيان استعماري كله مستعمرة وكل جمهوره مستعمرون ومنقسم على اثنين لا ثالث حقيقي لهما، يمين متطرِّف وآخر على يمينه وأشد غلوًّا منه، فسمعنا المطالبة بقتل وزير حربهم القاتل الشهير الجنرال يعلون لأنه أدان ما رأى أنه أساء للصورة الأخلاقية المزعومة لجيشه، والتأييد لفتاوي حاخام الشرقيين الأكبر بأن قتل العرب “فريضة”، ومطالبته بلف جثامين شهدائهم بجلود الخنازير، وأن استطلاعات الرأي عندهم تخبرنا بأن 76% منهم ضد إيقاف قاتل الشهيد الشريف، و57% لا يرون من داعٍ لإيقافه ولا استجوابه، و42% يعتبرون قتل الفلسطيني الجريح النازف والعاجز عن الحركة “عمل مسؤول”. أما على المستوى السياسي فكان بينت وليبرمان بين من تظاهروا احتجاجًا على إيقافه، الأمر الذي حدا نتنياهو للاتصال بوالد الجندي القاتل معربًا عن تفهُّمه لفعلته.
الثاني، هو المقابل الأوسلوستاني المتعاون مع الاحتلال ويعد تعاونه هذا مقدسًا… بالمناسبة لنتنياهو مقدسه أيضًا، والذي أعلنه مؤخرًا، وهو أن “حق الجيش الإسرائيلي في مناطق السلطة الفلسطينية المسمى “أ” مقدس”، بما يعني أن الانتفاضة هى الآن في مواجهة مقدسين لطرفين باتا في خندق واحد، الصهاينة والأوسلوستانيين… لم يكتف رئيس السلطة في مقابلته الأخيرة مع التلفزة الصهيونية بالمساواة بين الضحية وجلادها، وحق المقاوم وباطل المحتل، بل زاد فأنسن القتلة، واصفًا قضاءهم بالعادل، ومن ذلك قوله: “إن الطرفين يمارسان التحريض، وإن الشعبين يريدان السلام وإنسانيان، وإن الجرائم مثل إعدام عبدالفتاح الشريف استثناء”!!!
…وعودة إلى الأبيات التي بدأنا بها، ولأنه شعب مناضل ومعطاء، ولدرجة أن “منه الشهيد إذا شيَّعته رجعا”، لا تملك حتى “هآرتس” إلا أن تشهد: “الحقيقة هي أنهم ونحن والحكومة وجميعنا، لا حيلة لنا منذ عشرات السنين في وجه المقاومة الفلسطينية المصممة، والتي تلبس في كل مرة شكلًا جديدًا في مواجهة سيطرتنا التي تزداد بشاعةً”.