بين فترة وأخرى يطل علينا منتدى ثقافي أو ملتقى إعلامي، يجتمع فيه نخبة من المفكرين وصفوة من الأدباء، ومما لا شك فيه أن الفائدة من هذه الفعاليات عظيمة، إذ يتلاقى الفكر، وتمتزج الثقافة، وتُختصر المسافات الشاسعة بين الميول والاتجاهات والقناعات الفكرية المتباينة.
ولكن لو نظرنا عن قرب إلى ما خلف كواليس الفكرة العامة لهذه الملتقيات، لوجدنا أن هناك تفاصيل لا تظهر أمام المتلقي من خارج إطار الحدث، بعضها يلامس ما توارى من شخصية المثقف خلف قلمه، وبعضها الآخر يضع بصمته على الجوانب التنظيمية للمهرجان الثقافي، خصوصاً عند المقارنة بينها وبين المهرجانات الثقافية خارج الحدود، فلو أجرينا مقارنة بسيطة بين هنا وهناك، لوجدنا أن من يقوم بتنظيم هذه الفعاليات هنا يحتاج لألف شهادة شكر لما يواجهه من مصاعب وعقبات تعوق سلاسة الحركة التنظيمية للفعالية الثقافية، وذلك من خلال روتينية التصاريح والبيروقراطية الإدارية مع الكلاسيكية المتبعة في استخراجها، كذلك التعامل مع جهات رسمية عدة لا يمكن أن تفتح إشارة مرور خضراء للملتقى وتسمح بانطلاقه إلا من خلالها، يجعل الأمر أشبه بكابوس ثقيل، ولن ننسى قائمة المحظورات التي يُزعم أنها لا تناسب خصوصية المجتمع، ما يجعل هذه الفعاليات مملة إلى حد كبير، كل هذا بعكس ما هو حاصل خارج الحدود، إذ إن هذه الأعراس الثقافية تقام على أراضٍ من فرح تتشارك بها الجهات الرسمية المسؤولة مع شباب متطوعين في تعاون وانسجام تامين لإنجاح الحدث، وتيسير انطلاقه بيسر وسهولة، مع فعاليات جانبية تزيد من عناصر التشويق في برامجه لتلفت النظر له أكثر، وتمنحه شهادة تميز لتحقيقه الهدف من إقامته.
ويتبادر إلى ذهني سؤال: هل تغيّر المكان يغيّر البوصلة ويخفف الأحمال ويفك من بعض القيود المكبلة لحرية المناسبة؟ فقد لفت انتباهي ما يحدث من بعض الكتّاب أو المفكرين المثقفين الذين يبهرك حرفهم حتى تتمنى أن تصافح حقيقتهم، وما إن يحدث ذلك حتى تردد في نفسك آسفاً «سماعك بالمعيدي خير من أن تراه»، إذ تتفاجأ بحجم الغرور والتعالي الذي وضع نفسه داخل فقاعته، متخذاً إياه حاجزاً عالياً يفصله عن التعامل بأريحية وبساطة مع الناس، ناسياً أن الفضل بعد الله لهم في صنعه وعلو نجمه في سماء الحرف الأدبي والكون الثقافي، بعكس البعض الآخر الذي يفاجئك بعمق فكره وغزارة ثقافته مع تواضع شخصيته على رغم بساطة قلمه الذي تكتشف أنه يفشل كثيراً في عكس روعة شخصيته ومحتواه.
وهنا لنا كلمة لمن لبس تاج الغرور المزيف: لا تعلُ كثيراً ببرج التعالي، فكلمتك إن أطلت سقف غرورك، لن تكون مسموعة لمن يعيش على أرض الواقع يتلقى ما تكتب ويبني لك منه سلماً ترتقي عليه وأنت تصعد إلى مجدك.
وأجدها مناسبة أن أشير إلى معاناة أخرى تخص النساء تدور تفاصيلها خلف الستار، فمشاركة المرأة هنا يسكنها الخوف وتغشاها الريبة، إذ تشعر أنها حاضرة رغماً عن رغبة الكثيرين، فقط ليقال إننا منحناها فرصة، على رغم أن هذه الفرصة لا تقدم لها الكثير، ولا تسمح إلا بالقليل، أما هناك، فلا خوف من المرأة، لأنه لا فرق بينها وبين الرجل، فلا جدار ولا حاجز، لأن الميدان للرأي وللمنطق من دون النظر لجنس المشارك. الحفاوة هناك تكون بعقل المرأة وفكرها، لا بجمالها وأنوثتها، ما يختصر مساحات كبيرة لظهور المرأة السعودية في هذه المحافل كما يجب لا كما يحدث هنا بسبب بعض العقول التي تخاف فتنة المرأة. وهنا نقول: من الخطأ أن نختزل مشاركة النساء في رأي ما زال يرى أن المنع هو الحل، وأن في الفصل السلامة من كل شيء، خصوصاً أننا نفرح كثيراً بمشاركة المرأة السعودية في الوفد الرسمي لخادم الحرمين في زياراته الدولية، إذ تتمتع في هذه المشاركات بحمى الله، ثم ولي الأمر، وتقديره لها كامرأة ومباركته لدورها في تمثيل وطنها، كونها شريكة الرجل في تقديم الصورة الإيجابية لبلدها، فكراً ومنطقاً.
من الخطأ أن تقدم المبدعة السعودية نفسها في الخارج، ويضيق بها الداخل، وهي تشكّل أكثر من نصف قوة المجتمع السعودي .