ما جاء في الكتب المتبادلة بين رئيس الوزراء الدكتور عبدالله النسور ورئيس مجلس النواب عاطف الطراونة أقرب إلى “الفضيحة السياسية” العلنية مترامية الأطراف، من أبعاد متعددة، وإن كان البعض ما يزال متمسّكاً بسيناريو “التمديد” لكل من الحكومة ومجلس النواب، فما حدث من المفترض أنّه أسقط تماماً ذلك!
ليست المشكلة فقط في وجود خلافات بين رئيسي الحكومة والنواب، في نظام نيابي، نظرياً تمثّل الحكومة فيه أغلبية النواب، لكن عملياً لا علاقة لنا بتلك المفاهيم الديمقراطية الحديثة. لكن لنفترض أنّ هنالك خلافات عميقة بين رئيس مجلس نواب والحكومة، فإنّ السؤال المهم: على ماذا تدور هذه الخلافات؛ في بلد محاط بحروب داخلية عربية وإقليم يموج بالفوضى والانهيار، وتنظيم داعش في الجوار، والأزمة الاقتصادية ترهق المجتمع والموازنة.
كل ذلك لم يكن ليشكّل سبباً في الخلاف بين قادة أبرز السلطات داخل الدولة، إنّما اختلفا حول تعيين 110 موظفين، فيما إذا كانت من صلاحيات الحكومة أم مجلس النواب، ولجأ الرئيس سابقاً إلى مجلس تفسير الدستور، ثم عمل بعكس المقدمات ومرّر التعيينات لرئيس مجلس النواب، وهو يعلم تماماً أنّها مرتبطة باعتبارات نيابية وشخصية، خارج معيار الكفاءة والعدالة في التعيينات، ويعترف ضمنياً بذلك، من دون أن يرف له جفن في كتابه الذي أرسله إلى رئيس مجلس النواب.
رئيس المجلس، من طرفه، تأخذه المناكفة مع الرئيس إلى الإصرار على التعيينات، بوصفها حقّاً للسلطة التشريعية، ومنعاً لتغول السلطة التنفيذية عليها، وهو استنتاج مبكّر جداً! لكن الأهم من ذلك أنّه لم يشأ أن يسجل الرئيس في مرماه هدفاً جديداً (بعد أن كان سجّل هدفين سابقاً)، فأراد أن يسدد ضربة مقابلة، مسائلاً الرئيس عن التعيينات التي قام بها في الوظائف العليا (خارج العملية التي تمّ تصميمها سابقاً لاختيار الكفاءات) وفي منطقة العقبة وفي مواقع أخرى، وربما أمسك رئيس مجلس النواب نفسه عن ذكر أمور أخرى خشية من أن يخرج عن قواعد اللعبة وحدود الملعب!
فضح رئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب الطابق أمام الشارع وصانع القرار، وعزّزا قناعة شريحة واسعة من المجتمع بغياب العدالة والمحسوبيات والشللية التي تحكم عمل قيادات في الدولة. لكن الأخطر من هذا وذاك أنّهما سخّفا من صورة مؤسسات الدولة السياسية الرئيسة في عيون الناس، ونزلا إلى مستوى من السجال لم تصل إليه أي حكومة أو مجلس نواب سابقاً منذ تأسيس إمارة شرقي الأردن إلى اليوم!
ما حدث يمكن أن نطلق عليه كلمة “قلّة هيبة” وبس! لا يوجد كلام أكثر من ذلك يمكن به وصف هذا السجال في وقت من المفترض أن تكون فيه هذه المؤسسات منخرطة في عمل دؤوب في ظل الظروف الداخلية والإقليمية الانتقالية الدقيقة، لكن من الواضح أنّهما – أي الحكومة والمجلس- بعدما تمّ إفراغهما من الدسم السياسي ومن الأعمال المهمة، أصبحت مثل هذه القضايا أولويات بالنسبة لهما معاً، لذلك لا نستغرب هذا المستوى من النقاش!
المقارنة ظالمة بين صورة مجلسي النواب والحكومة عندما كان شخص مثل عبد اللطيف عربيات رئيساً لمجلس النواب، ويمثّل حزباً معارضاً، والشريف زيد بن شاكر رئيساً للحكومة، وهو من خلفية عسكرية، كيف كانت العلاقة بالرغم من النقد الشديد والرقابة المشددة من المجلس على الحكومة، وكانت الخلافات أكبر بكثير منها اليوم، لكنّها كانت خلافات تشرّف هذه المؤسسات وترتفع بصورتها وسمعتها وقيمتها ولا تنزل بها إلى درك بعيد!
هل هذه الصورة هي التي نريدها لمؤسسات الدولة وقيمتها؟!