الكلمة التي ألقاها وزير الصحة، د. علي الحياصات، أول من أمس، في احتفال يوم الصحّة العالمي، أكثر من مجرّد خطاب عابر احتفالي.
الوزير أشار إلى أنّ هنالك قرابة نصف مليون أردني مصابون بمرض السكري، الذي يعدّ من الأمراض القاتلة، ولفت الانتباه إلى ارتفاع معدل “الأمراض المزمنة”، مثل السرطان والسكري والقلب، منبّهاً إلى أنّ الأردن يمرّ كغيره من دول العالم الثالث في “مرحلة وبائية انتقالية”.
وفي تشريحه للأسباب التي تقف وراء انتشار هذه الأمراض المزمنة أشار إلى تغيّر نمط الحياة اليوم أو ما يسمّى بـ”الخمول البدني” وظاهرة التدخين والسمنة والنظام الغذائي غير الصحّي.
كشف الوزير، أيضاً، أرقاماً تفيد أنّ نصف سكان الأردن لا يمارسون النشاط البدني وأنّ أقل من خمس الطلبة فقط يمارسون النشاط البدني كل أيام الأسبوع فقط لمدة ساعة واحدة!
ثمّة أرقام كثيرة مرعبة في جعبة الوزير، بكل تأكيد، لو تحدّث عن نسب السرطان والضغط والسمنة والقلب والأمراض الأخرى، ولعلّ أحد مؤشراتها حجم الضغط الهائل على طلبات الإعفاء الصحي، التي تصل إلى الديوان الملكي والحكومة ومجلس النواب، ما يكلّف خزينة الدولة سنوياً عشرات الملايين خارج الموازنة أصلاً والتأمين الصحّي أصلاً!
من المهم استحضار المصطلح الذي وظّفه الوزير “مرحلة وبائية انتقالية” قبل أن تتفاقم المخاطر الكبيرة الناجمة عن نمط الحياة الخاطئ الذي يتسم فيه سلوك الأغلبية العظمى من الأردنيين، لنبدأ ثورة بيضاء شاملة في مجال الصحّة العامة والأسريّة، يشترك فيها الإعلام والتربية والتعليم والجامعات ومؤسسات المجتمع المدني.
هذا المجال الواسع المرتبط بالمعرفة الصحيّة لا يحظى بأي اهتمام لدينا على أيّ صعيد، بالرغم من أنّه يمس حياتنا اليومية ومصيرنا ومستقبلنا وأبناءنا، بينما من يتابع الإعلام الغربي يجد أنّ هذا الموضوع هو في ذروة الاهتمام لديهم، وهنالك ملحقات وتقارير وتحقيقات في غاية الأهمية دائمة في صحف عالمية ومجلات مشهور، بعضها ذات طابع سياسي مثل النيوزويك والنيويورك تايمز من الممكن جداً أن تجد موضوع الغلاف مرتبطا بأحد الأمراض أو العلاجات أو الأرقام المرتبطة بالصحّة، وكذلك الحال في التعليم والمجتمع.
من الضروري أن نعيد تصميم أجندة اهتماماتنا وأولوياتنا فلا يبقى الموضوع الصحّي مجهولاً محدوداً هامشياً في اهتمامات الإعلام والتربية والمجتمع المدني، فما فائدة كل الثرثرة السياسية والإعلامية إذا كان المجتمع مصاباً بأوبئة قاتلة، على المدى البعيد، مثل السرطان والسكري والسمنة وغيرها.
بالعودة إلى أرقام الوزير حول الخمول البدني ونسبة ممارسة الرياضة في المدارس، التي تكاد تصل إلى صفر، فإنّ ذلك نتيجة طبيعية لإهمال هذا الجانب في مناهج وأولويات وزارة التربية والتعليم، فحصص الرياضة والفنون أصبحت بلا قيمة حقيقية، والنشاطات الجسدية لا تحظى بأي اهتمام في التحصيل المدرسي ولا في أفكار الإدارات التربوية، فهل يمكن أن يكون هنالك تواصل حقيقي بين التربية والصحة والحكومة من أجل تغيير جذري في الاهتمام بالرياضة وتوفير البيئة المدرسية الحاضنة لها؟!
أصبحت السمنة مرض العصر ومرتبطة بنمط الغذاء وطبيعة الحياة اليومية، ولم يعد أمراً غريباً أن تكون جزءاً من خطاب رئيس أميركي في مسائل الأمن الوطني وأولويات المرشّحين للرئاسة، فهل يمكن بالفعل أن نعيد التفكير في درجة الاهتمام فيها وفي النظام الغذائي وفي توفير الظروف المناسبة لحثّ الناس على ممارسة الرياضة والمشي والالتزام بنمط غذائي صحّي!
أليست هذه القضايا والأرقام مهمة ومصيرية، ألم يأن أوان الاهتمام بها وهي أخطر من داعش والإرهاب، ألا يستحق الأمر تشكيل لجان ووضع استراتيجيات لمكافحة السمنة أو السكري مثلاً؟!