عروبة الإخباري – كتب سلطان الحطاب – طوال ثلاثين سنة ونيف عرفته فيها عن قرب كان عبد الهادي المجالي مواليا .. وملكيا اكثر من الملك..
امس حين كان يتحدث على قناة جوسات احسست بصدق ولاءه لأنه بدأ ينقد الأداء العام وخاصة اداء السلطة التنفيذية . والنقد من مربع الولاء هو الولاء بعينه لأنه الحرص على استمرار المؤسسة وصواب نهجها..
انا هنا لا اتكلم عن معارض ظل يقفز من مربع الى اخر او ينقل البندقية من كتف الى اخر ولكن عن رجل من النظام ومن رجالات الدولة .. وحين يبق عبد الهادي المجالي البحصة وينشر غسيل الحكومة ويربأ بنفسه عن الشتم فان ذلك لابد ان يستوقفنا خاصة حين يقدم لاستمرار الهدوء وعدم الخروج اسبابا عديدة ويبرر ذلك وينتمي اليه لانه يدرك اكثر من غيره كلفة الخروج والاخلال بالنظام. وهو يعلق الجرس حتى لا تستمر الحكومة في حشر الناس في الزاوية معتقدة ان لا مخالب لاحد فيهم وانها تستطيع ان تستمر من خلال رئيسها بالتذاكي والفهاوة وتغطية الامور بغربال او بخطابة ناعمة او باسقاطات ثقافية ولغوية واحيانا فكاهية ..
يدرك المجالي ان هناك مسافة ما بين حل الازمات وادارة الازمات وما بين استخدام العلاقات العامة والتصدي للمشاكل بالحلول الناجحة ..
المقابلة عكست فهم الواقع والاعتراف بتعقيداته ولكن المجالي لا يقر التعامل مع المشاكل بهذا الاسلوب الذي وصفه بعدم الاكتراث او ” بسمك جلد” المسؤول وعدم تفاعله .. وهو يشير الى ضرورة التغيير..
هل مهمة الحكومة فقط زراعة ونزع الالغام ام العمل على عدم زراعتها اصلا.. لدرجة انها لم تنزع الغاما سابقة بل ابقتها وتجاوزت عنها..
هذه في راي المجالي حكومة ترحيل المشاكل والقضايا فقد جاءت كما وعد رئيسها لكي تخفض عجز الموازنة وان تنهيه خلال سنة .. من وعد رئيسها الذي ما ان انتهت السنة حتى برر ما عجز عن ادائه ليخرج وكانه يقول ان للعجز منافع لا يدركها الناس.. واذا به يُسّوغ كل ذلك ويبرره كما يبرر سائق الباص شكوى الناس من سوء قيادته بقوله لهم انتم لا تعرفون كيف تركبون الباص !!!
نقد عبد الهادي البرلمان وقال: ” اذا كنا نرضى عنه في التشريع فاننا لا نرضى عن دوره في الرقابة ووصفه بالعجز والتهميش كما وصف موقف الحكومة ولسان حالها بقول ” اعمل ما اريد وقولوا ما تريدون ولا اغير شيئا” ولذا اقر ان القانون محمل باخطاء واوزار لا يعلم نتائجها الا الاغلبية التي ستكتوي بها..
ولان الباشا من الاغلبية التي دعمت كل الحكومات فان هذه الاغلبية من الصعب ان تجمع الان على ان تكون في خندق المعارضة ولذا فانه يقدر لهذه الاغلبية رغم انه لم يقدم لها خارطة طريق جديدة واضحة ..
قدم عبد الهادي تصورات تكاد تكون دقيقة عما يحب عمله في المرحلة القادمة وكيف يمكن قبول تحديات ارتفاع نسبة البطالة الهائل وتزييف الحكومة للارقام واتساع جيوب الفقر دون علاج ودون ان تصل الحكومة للاطراف ان تسند حاجاتها .. وعن الانفلاتات الاجتماعية والامنية التي مازالت تغطى بالخطابة والتدليس ..
كان عبد الهادي جريئا وواضحا في التقييم .. عفيفا لا يهاجم الشخص وانما الاداء ولا يذهب الى الشخصنة وهذا ما دفعه للدفاع عن الشخصيات العامة ورفض اغتيال سمعتها بالاشاعات كما قال ان ما مورس ضد باسم عوض الله رئيس الديوان الملكي السابق هو شكل من اشكال اغتيال الشخصية وان ما قيل من اشاعات عنه لاثبات فساده ليس صحيحا..
الباشا واجه من قبل نفس الكاس وهو اغتيال الشخصية والتشكيك ولذا فانه يدرك ان تيارات الجهل والجهوية والتعصب لا تصنع وطنا وان صنعته فانه يكون مشوها ..
حين كان الامر يستلزم اجابة حاسمة كان المجالي يجيب بنعم او لا وحين يكون الامر تصيدا يمتنع عن الاجابة حتى لا يكون للجواب اضرار لا فوائد من ورائها
لم يتوقف عند نقد السلطة التنفيذية فقد اصاب نقده شخصيات عديدة فردية في مواقع عدة من النظام قال انها وراء التعطيل والاعاقة ورهن التطور وعدم حل المشاكل وتجميد عملية الاصلاح وتهميش الحياة السياسية والحزبية وتضييق هوامش المشاركة ..
فهل لدى الباشا بدائل وهو يمكنه تقديم الحلول لو تولى المسؤولية خاصة انه لا يريد ان يعود للترشيح ولن يكون رئيسا لحزبه بل عضو فيه ؟ ..
على مدار ساعة ونصف استمعت لحوار مفيد من محاور ذكي حشد اسئلته ودار حولها او صوّبها مباشرة دون ان يتماهى مع الضيف او يقره او يرفضه وقد بدا كما لو انه يدافع عن الحكومة ليضمن حضور الطرف الاخر وانصافه..
هذه الحكومة كما يقول المجالي تفتقد الى الحس بالشارع وما يعانيه الناس ولا تجد غضاضة من تزوير الواقع اذ لا تكتفي بما تحدثه من مرارة من ممارساتها بل تعمد الى زيادة هذه المرارة بادعائها الثقة الزائدة التي يمثلها رئيسها.. ويبدو ان هذه الثقة الزائدة لا تعرف مصادرها العامة او معطياتها الوطنية وانما صفة نفسية شخصية تعتلي الفرد في مراحل من حياته وهذا ما دفع المجالي للقول ان الرئيس ” يضبع ” الوزراء ويختصرهم في ذاته ويملي عليهم كما لو كانوا صفا مدرسيا فلا استقلالية ولا مبادرات وزارية من وزارات محددة يمكنها ان تجتهد من جانب وزيرها حتى وان لم تتفق مع الرئيس..
في اجتهاده الذي قال انه يقدمه لا يتوقع عبد الهادي استمرار الحكومة لاكثر من شهر دون ان يقدم سببا قاطعا ولكنه يعتقد ان الكيل فاض وان استحقاق الانصراف جاء وان هذه الحكومة اخفقت كما قال في فهم التوجه الملكي واعراب الجملة الملكية رغم وجود الوصفة في الاوراق الملكية الخمسة ورغم التوجيهات الملكية المستمرة فان شيئا لم يحدث وهذا الاخفاق انسحب على الوضع الاقتصادي والاجتماعي .. اما النواب في غالبيتهم والذين اقروا قانون الانتخاب رغم الثغرات الواسعة فقد عاشوا الطاعة والقبول واستهلكوا بضاعة التذاكي التي باعها الرئيس وقايض عليها بمصالح فردية لهم ..
ولم يتردد المجالي في وصف رئيس الحكومة انه صاحب قدرات كبيرة وثقافة ادارية وخبرات عميقة اكتسبها من مواقع عديدة في الدولة على مدار ثلاثين سنة وزيادة ..
وياخذ عليه انه لم يطور ولم يعمل ما يحب ان يعمله وان كل همه هو التسويغ والبقاء لاطول اجل ممكن ..
عكس عبد الهادي المجالي من موقع الموالي وصاحب الخبرة وبلغة جديدة وصادمة عدم رضى الشارع وغضبه وضرورة التغيير مؤكدا ان في المبادرة الملكية الان الخلاص لان الملك يعمل ليل نهار ويدرك حجم المخاطر لكن الترجمة لاعماله التي يجب ان يحس بها الناس غير قائمة وهي ترجمة خاطئة توصل الرسائل بصورة خاطئة ..
الحلقة كانت قوية وتستوقف من يريدون رصد الراي العام او الرضى وقد تدفع من يرصد ليتوقف ويستخلص فهذا الذي يتحدث ليس معارضا وانما من تيار الموالاة التي ليس لاغلبيتها الجراة ان تقول اين الخطا..