الكتابة فعل يعبّر عن واقع، أو ينسج خيالاً نهرب إليه، ومتى ما ملك الواحد منا القدرة على الكتابة، سنختصر على القارئ الحياة في بضع كلمات.
ودائماً ما أتساءل.. هل لا بد للكاتب أن يكون العين البصيرة لكل أفراد المجتمع، ويضعهم في المشهد دائماً، ويخبرهم بما حدث، ويقرأ لهم ما سيحدث، ويحلل لهم، ويستنتج معهم الحدث وتبعاته؟
نظلم الحدث والكاتب حينها، عندما نجعلهما في حراك متصل، وكأن الكاتب سيفشل، وستُلقى عليه الاتهامات هنا وهناك، إن غاب عن حدث، ولم يعلق عليه!
كانت الكتابة ولا تزال موهبة قبل أن تكون مهنة، وعندما نتعامل معها كمهنة، سنفتقد حينها تلك الروح وتلك المخيلة التي تجعلنا نحلق في كل اتجاه، ونأخذ بيد قارئ ينتظر منا الكثير.
في الآونة الأخيرة، انتابت مجتمعنا حملات من التشكيك لا حد لها في رصد توجهات كتّابنا وتحميلهم أوزار كل شيء!
فكل كاتب مطلوب منه أن يتفرغ لمتابعة كل شيء، فاتورة ماء ارتفعت، وعصا مربٍ ضربت، ومدارس أغلقت، ومناخ أتعب الطرقات، وفساد استشرى في مناقصات، ووو… الخ، سلسلة لا تنتهي من الأحداث واليوميات التي تطل علينا كل حين.
هي أحداث قد لا يجد الكاتب فيها ما يضيفه، إما لسخافتها، أو لأنه خارج نطاقها، أو أن الكل قال كل شيء ولم يتبق له شيء، أو قد يملك قولاً سيغضب عليه كثيرون، ويفتح له أبواباً لا تستحق.
وللأسف إن سكت الكاتب عن رأيه، لاحقوه في مواقع التواصل واستنطقوه، أو اتصلوا عليه ونشروا له حديثاً مبتوراً، لا لشيء، ولكن لتجر قدمه في مستنقعهم، ولكي يسترزقوا من بعده، ولكي تصنع إثارة بسببه شاء أم أبى!
لا بد من التضييق عليه، ليقدم حرفه كما يريدون، لا كما يريد هو!
وللأسف أنه في الآونة الأخيرة، أصبحت الجماهير تملي على البعض ما يكتبون، وتجعلهم يناقضون أنفسهم بين رأي ورأي، والسب رضا جمهور يخاف أن يفقده! وهذا ما جعلنا نخسر شرف الكتابة ومسؤولية الحرف ونضوج المعنى لدى كثيرين.
فأصبحنا نرى الرأي مبهماً وقابلاً للتأويل، ولا يحمل تصريحاً مباشراً، ويجعلك تفقد البوصلة معه، ولا تبصر مخرجاً في آخر الطريق!
من حق الكاتب أن يكتب ما يشاء متى ما شاء، ومن حقنا أن نلومه لغيابه ولكن من دون تلفيق تهم ورمي أعراض وذمم!
فعدم الكتابة في قضايا معينة ليس تهرباً من مسؤولية وطنية، وليس تبعية لتيار على حساب على آخر، ولكنه انتصار لأمانة حرف، إما أن يضيف هو شيئاً، أو يمارس الصمت برقي وتأمل، حتى يجد ما يشفع له بالظهور وتصدر المشهد الكتابي.
وللأسف، البعض يقرأ ما يريد، ويفهم ما لا يريد، ويحمّل الكاتب تبعات سوء فهمه، فيشن عليه حرباً ضروساً هو منها براء، ولكن لأن الفهم أصبح ندرة في الإعلام الجديد ابتلينا بالمتردية والنطيحة فيه، وأجبرنا الكثيرين على الخروج مبكراً منعاً من فتوى ظالمة أو زندقة تلوح بالأفق أو حكم جهات لا تمت للثقافة بصلة.
الغريب في شأن الكاتب والكتابة في بلادنا، أن الجهات الرسمية عندنا لا تعترف بمسمى كاتب، ولا نجد واحداً كتب في بطاقته الشخصية الرسمية أو جواز سفره، المهنة: كاتب! ولا أدري ما العيب في ذلك ولم الحرج في التعامل معها كتعريف رسمي على أوراق رسمية والاكتفاء به كتعريف في مطبوعة أو وسيلة إعلامية مختلفة؟
البارحة انطلق الموسم الثقافي الجديد بالنادي الأدبي بالمنطقة الشرقية، واتخذ من موضوع الكاتب والأحداث الثقافية موضوعاً له، وكلنا أمل بأن تجتمع هذه النخبة وتخرج بصياغة للمشهد الكتابي عندنا بما يحفظ له الرقي والتميّز دائماً.