أفضل شيء ممكن حدوثه للأردن؛ للتخلص من ضغوط واشنطن لإتمام اتفاقية شراء الغاز من إسرائيل، هو تعطل الاتفاق الأصلي بين ائتلاف شركتي “نوبل إنيرجي” الأميركية و”ديليك دريلينغ” الإسرائيلية، من جهة، والحكومة الإسرائيلية من جهة أخرى؛ إذ (كان) يفترض أن تحصل المملكة على الغاز الطبيعي من خلال هذا الائتلاف.
يبرز خصوصاً في هذا السياق، احتمال إصرار “نوبل إنيرجي” تحديداً على شرطها التزام حكومة بنيامين نتنياهو باستثنائها من التغييرات التشريعية المحلية لمدة عقد من الزمان. وهو ما سيعني، في حال عدم الوفاء بهذا الشرط، تأخّر الاتفاق، وبالتالي تخفيف السفارة الأميركية في عمان ضغوطها علينا، نتيجة اعتبار واشنطن إتمام صفقة الغاز مع إسرائيل أحد شروط الحصول على المساعدات الأميركية، خدمة لشركات الولايات المتحدة ومصالحها العابرة للحدود، ضمن أهداف أخرى بالطبع.
اليوم، لدى الأردن هامش مناورة بحكم توقف المباحثات مع الجانب الإسرائيلي، لحين وصول الشركة الأميركية إلى اتفاق مع حكومة الاحتلال؛ بحسب ما أعلن أمين عام وزارة الطاقة والثروة المعدنية د. غالب معابرة قبل نحو أسبوع. إذ قال إن مفاوضات استيراد الغاز مع الجانب الإسرائيلي متوقفة في الوقت الحالي بعد قرار المحكمة العليا الإسرائيلية إلغاء الاتفاق للتنقيب عن الغاز في البحر الأبيض المتوسط.
ملخص القرار، أن المحكمة الإسرائيلية رفضت اتفاقا اعتبرته مثيرا للجدل بين حكومتها والائتلاف الإسرائيلي-الأميركي، ما يعني أن الاتفاق يواجه باعتراضات إسرائيلية داخلية، وقد لا يعبر القنوات التشريعية. كما أن الخضوع لقرار المحكمة، بتعديل الاتفاق، يعني عملية طويلة، يقدرها متابعون بحوالي العام.
ولم يصدر أي تعليق رسمي إسرائيلي على التصريحات الأردنية، رغم أن الاتفاق المزمع كان يقوم على استيراد المملكة الغاز من إسرائيل مع بداية العام 2018، ولمدة 15 عاما، بكمية إجمالية تقدر قيمتها بـ15 مليار دولار.
تعطل إبرام الاتفاق -بين ائتلاف الشركتين وحكومة إسرائيل، وتالياً بين الحكومتين الأردنية والإسرائيلية- له فائدة أخرى. إذ في حال خضع الأردن للضغوط السياسية، ومضى مستقبلاً في توقيع اتفاق استيراد الغاز؛ لأجل الأميركيين وليس الإسرائيليين، فإن الفترة المنقضية لحين إتمام المراجعة الإسرائيلية، تمثل فرصة للمفاوض الأردني لإعادة تقييم التفاصيل الفنية للاتفاق؛ لاسيما لناحية السعر والكميات، في ظل انخفاض أسعار النفط عالميا، وتوقع استمرار هذا الانخفاض خلال الفترة المقبلة؛ بما يجعل الأردن متخففا من عامل ضغط آخر عليه، هو أسعار النفط المرتفعة سابقاً.
الأردن لا يبدو متحمساً لاستيراد الغاز الإسرائيلي، ربما لأسباب ترتبط أساساً بالموقف الشعبي. إذ ما يزال الرأي العام الأردني يرفض فكرة التطبيع مع إسرائيل. وتعزز ذلك حركة مقاطعة المنتجات الإسرائيلية عالميا. وهما معطيان يمثلان رداً طبيعياً على التطاول الإسرائيلي اليومي على المقدسات في مدينة القدس خصوصاً، عدا عن الجرائم المتواصلة بحق الأشقاء الفلسطينيين.
وتدلل على عدم الحماسة الحكومية هذه، التصريحات الرسمية التي ترى أن الخيارات، على صعيد مصادر الطاقة ولاسيما الغاز، ما تزال جميعها مطروحة؛ بدءا من الغاز المصري، يليه غاز حقل الريشة، خصوصاً بعد توقيع اتفاقيات تطوير الحقل مؤخرا مع شركة “أي. بي. جي” العالمية، ثم هناك الغاز المستورد من الأسواق العالمية عن طريق ميناء العقبة. وبالتالي، يحل خيار الغاز الإسرائيلي في المرتبة الرابعة بين مجمل الخيارات المتاحة.
الارتياح لتعطل الاتفاق من داخل إسرائيل، يبدو أمراً طبيعيا لبلد مثل الأردن، يتلقى أكبر حجم مساعدات سنوية من الولايات المتحدة؛ إذ تقدر الآن بحوالي 1.6 مليار دولار، يتوقع أن ترتفع إلى 1.9 مليار دولار مع نهاية العام الحالي. هذا على الرغم من ضرورة تفهم الجانب الأميركي لواقع الحال الأردني ومعطياته كافة؛ فالعلاقة مع أميركا لا تشبه أبدا العلاقات مع المحتل الإسرائيلي.