عروبة الإخباري – كتب سلطان الحطاب – أكتب عن زيارتي الى فلسطين والتي شملت اكثر من مدينة واتوقف عند محطة مهمة في هذه الزيارة وهي محطة أريحا التي شدني فيها زيارتي لجامعة الاستقلال، والتي لم اكن اعرف عنها قبل الزيارة شيئا، وقد فوجئت بهذه الجامعة ومستواها وتخصصاتها ونوعية طالباتها وطلابها . واهمية هذه الجامعة ودلالة وجودها في مرحلة التحرر الوطني وبناء الدولة التي يعمل من اجلها الفلسطينيون بقيادتهم القائمة ..
تجولت في مناطق في الضفة الغربية وخاصة رام الله وبيت لحم .. وادركت وانا اقف على المؤسسات العامة والخاصة والجامعات واراقب السلوك العام والنشاط الاقتصادي والاجتماعي وايمان الاجيال بوطنها وتعلقهم به.. ان فلسطين دولة لا ينقصها الا الاعتراف الدولي الكامل الذي يزيح الاحتلال ويسمح بالتعبير عن ارادة هذا الشعب البطل( شعب الجبارين) الذي ظل يصفه طوال الرحلة صديقي عبد الحي المجالي. الذي كان كلما راى ظاهرة صمود قوية وعنيدة وحضارية قال “شعب الجبارين” وهي الصفة التي علق عليها بشرح واسع الصديق سعد المجالي ذو الخبرة العملية في السلطة الوطنية الفلسطينية حيث وصف الجامعة بانها الصرح الامني الذي لا مثيل له في بلدان عربية وعبد الحي المجالي هو من نصحني بزيارة جامعة الاستقلال في اريحا والتي كان زارها الدكتور عبد السلام المجالي واعجب بها وتاثر بما راى وشاهد واثنى على جهة القائمين عليها ونصحهم ووجههم وهذا ما عرفته ايضا من رئيس مجلس الامناء معالي اللواء توفيق الطيراوي الذي رافقني في زيارتي للجامعة ولم يبخل علي بوقته وكرمه فقد واصل الجولة وشرح لي الكثير ومكنني من الالتقاء بالطالبات والطلاب المجندين على مقاعد الدراسة وهم بزيهم العسكري وانضباطهم وتفاؤلهم وروعة تلقيهم لمستقبلهم.. كنت اتحدث في الجيل الطالع الذي يزرع التفاؤل وكنت منفعلا امنع دموع الفرح والامل من ان تنزل حتى لا تفهم خطأ..
فقد كنت ارى هذه البذور التي تزرع على يد من آمنوا بأن المسيرة طويلة وليست مجرد اشتباك او صدام او حتى معركة واحدة وان التحدي يرد بمثل هذا العمل الذي يستهدف بناء الجيل بعقيدة وطنية ثابتة ..
يقول اللواء الطيراوي
” انطلاقا من ايماننا العميق برسالة شعبنا الفلسطيني وحرصنا الدؤوب على بناء مؤسسات قوية وفاعلة ترتكز عليها مقومات الدولة الفلسطينية . تقوم على اسس مهنية متقدمة يحكمها القانون الفلسطيني . تاخذ على عاتقها تاهيل الاطر والطواقم العاملة في الاجهزة الامنية . وبالرغم من محدودية امكاناتنا الا اننا عملنا جاهدين على تحقيق هذا المكسب الوطني بانشاء جامعة فلسطينية للعلوم الامنية” .
ويبقى لخطوة الرئيس الخالد ياسر عرفات اثر كبير في تقوية عزيمتنا ودفعنا للامام . وقد جسد ذلك الفعل فخامة الرئيس محمود عباس وكذلك دولة الاخ رامي الحمدالله.
اننا نتطلع في جامعتنا الى بناء شراكة عربية ودولية وبرامج تعاون تعمل على الارتقاء بالمستوى الاكاديمي والمهني والثقافي لمنتسبينا للمساهمة في انشاء مؤسسة امنية فاعلة على طريق اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة تجسيدا لايماننا الراسخ برسالة شعبنا الفلسطيني الوطنية والانسانية وتاكيدا على حرصنا الشديد على بناء دولة المؤسسات الدولة القوية القادرة على ارساء قواعد الاخلاق والقانون”.
وبالرغم من تنوع العوائق والصعاب ومنها محدودية الامكانيات المادية الا ان عزيمة المسؤولين والقائمين على الجامعة منذ التفكير بتاسيسها ذللت العديد من الصعاب ورات الجامعة النور وتجسدت فكرة تاسيس جامعة الاستقلال لتاخذ على عاتقها تاهيل الاطر والطواقم العاملة في الاجهزة الامنية الفلسطينية وكذلك اعداد وتدريب الكوادر المؤهلة الراغبة في الالتحاق بالاجهزة الامنية .
اعداد الطلاب يتجاوز الـ (900) طالبة وطالب.. يدرسون وياكلون وينامون ويلبسون من الجامعة التي لا يدفعون لها اية اقساط.. ولدى الجامعة نظام صارم لجهة الانضباط ومستوى القبول الذي لا يجوز ان يقل عن 65% وهو معدل تؤثر فيه علامات السلوك التي يجري الاهتمام بها وهناك نشاطات موازية واسعة للطلاب الى جانب المكتبة الكبيرة الشهيرة التي تضم حوالي 20 الف كتاب وفيها قاعات عديدة واجنحة سميت باسم اعلام مناضلين ومعاصرين من قادة الشعب الفلسطيني فقد توقفت عند لوحات ترجمت عن حياة الراحل خالد الحسن وغسان كنفاني وابو الاديب الزعنون رئيس المجلس الوطني الفلسطيني وغيرهم.. وهناك قاعات للطعام مصنفة مقاعدها حسب سنة الدراسة ويتناول الطلاب الوجبات الثلاث ولهم عياداتهم ومستوصفهم وفي الخارج حيث تمتد المساحة لاوسع جامعة في فلسطين تصل الى حوالي (300) دونم بني على اجزاء كثير منها مرافق عامة .. مدرجات ومسجد كبير باسم الراحل ياسر عرفات ومركز تدريب.. وغطيت الارض بالنجيل الاخضر والاشجار الباسقة الخضراء والكبيرة التي تمتد بين الكليات والادارات والعمادات المختلفة..
جامعة الاستقلال هي الاكاديمية الفلسطينية للعلوم الامنية وهي تنهض بجوانب من المسؤولية الوطنية وتؤكد العقيدة الامنية لمنتسبيها الذين يشكلون نواة قوة الدفاع عن امن الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال وحين تقوم الدولة الفلسطينية المستقلة العتيدة ..
عرفت ان الرئيس محمود عباس يحتفي بهذه الجامعة وقد نُصبت على باب مكتبها لوحة تؤذن بافتتاحه لها. وقد تطورت هذه الجامعة خلال السنوات الثماني الماضية من مبنيين باحجار مختلفة الشكل الى جامعة وقد انتقلت من اسم الاكاديمية الى جامعة اعلن عنها الرئيس محمود عباس لتمنح درجة البكالوريوس في عدة تخصصات وقد وصفها الرئيس بانها الصرح الوطني الكبير وقال انها حجر زاوية في مشروع البناء الحضاري لهذا الوطن وعلامة بارزة في مرحلة بناء دولتنا ..
يسجل للواء توفيق الطيراوي ابو حسين اطلاق الفكرة وتعهدها وسقايتها والعمل الدؤوب على توفير الدعم لها من مخصصات السلطة وهو الدعم الذي ظل بين مد وجزر الى ان استقر اخيرا ليحمل البشرى للجامعة وكوادرها وهو دعم لا يتجاوز اربعمائة الف دولار شهريا في احسن الاوضاع ..
لهذه الجامعة ميزاتها المختلفة عن بقية الجامعات الفلسطينية فهي جامعة عسكرية متخصصة تشبه اكاديمية الامير نايف للعلوم الامنية وجامعة مؤتة التي يميز فلسفتها الجناح المدني وادراجها في اطار الجامعات الاردنية التي اصبحت رهينة الكوتات .. وحملت طلابها كلفا كبيرة ..
وهاهي جامعة الاستقلال تشكل نموذجا في عالمنا العربي لمثل هذا النوع من الجامعات وطبيعة التخصصات المتنوعة..
وهذا غيرها عن الكليات العسكرية العربية ذات المناهج الجافة..
هي برسم ان تقدم نموذجا عربيا واسلاميا وتتطلع للتعاون مع كافة الجامعات وتستهدف استقطاب طلاب عرب وقد نجحت في ان تكون عضوا في اتحاد الجامعات العربية قبل ان تستكمل بناءاتها وتخصصاتها لتقدير دورها وعلميته ..
كما اصبحت عضوا في اتحادات اخرى ووقعت على توامة مع جامعات مختلفة عربية وغير عربية ..
واساتذتها والمدرسين فيها وكافة كوادرها من فلسطين باستثناء جنرال اردني خدم في الجيش العربي الى رتبة لواء وهي من يدرس بها ومسؤول عن المساق العسكري والعلوم العسكرية في الجامعة ليستفاد من خبراته وهناك دورات لاجانب ومؤسسات امنية اجنبية غربية وغيرها تعقد في رحاب الجامعة والطلاب يجري اختيارهم لهذه الدورات..
والجامعة كما لاحظت تحتضن تخصصات تعليم عال لها علاقة بالعلوم الامنية فقط ضمن رؤية شمولية للتطور النوعي للموارد البشرية وتوظيفها .. وذلك لاعداد ضباط وقادة مؤهلين مهنيا وعلميا..
وتؤكد الجامعة في رسالتها على الانتماء والالتزام والقيم الوطنية والحضارية وهي تساهم في اجراء البحوث والدراسات الاكاديمية والتطبيقية..
وفي الجامعة كليات تمنح درجة البكالوريوس ومنها كلية العلوم الانسانية وتمنح درجات بكالوريوس علم نفس ذو طبيعة امنية وبكالوريوس علوم امنية .. وبكالوريوس لغة انجليزية ولغة عبرية ..
وكلية للعلوم الادارية تمنح التخصصات في الادارة العامة والعلوم العسكرية . وبكالوريوس في نظم المعلومات الادارية وكذلك هناك كلية للقانون تمنح البكالوريوس في العلوم الشرطية والقانون. وآخر في علم الجريمة والقانون . وفي الجامعة ايضا معهد للتدريب والتمنية وبرامج عديدة للدبلوم تصل الى ثمانية تخصصات ..
وكان الرئيس محمود عباس قد خرج الفوج الاول من الجامعة عام 2013 والثاني تخرج عام 2014..
يبقى ان اقول ان هذه الجامعة التي تشكل ذراعا في بنية الدولة الفلسطينية العتيدة بحاجة الى كل دعم فلسطيني وعربي حفاظا على اطراد دورها وتعميق فلسفتها وقد شدّني تبرع رجل الاعمال صبيح المصري الذي نقش اسمه على باب احد الكليات لتبرعه السخي لها وهي دعوة للمسؤولين الفلسطينيين لان يتكرر مثل هذا العمل..
غادرت الجامعة وانا احس ان مثل هذه البذور سوف تنبت وتثمر وتشكل بنية حقيقية في صرح الدولة الفلسطينية التي لن تستطيع اسرائيل ان تمنع قيامها وان عطلته لوقت مهما طال ..
جامعة الاستقلال الفلسطينية .. زرعت الأمل في نفسي
30
المقالة السابقة