لا يبدو من تحدٍ يواجه الأردن في المرحلة الحالية، أكثر إلحاحاً وخطورة من واقع الاقتصاد، وتداعيات ذلك السلبية. فرغم “وفرة” المصاعب الأخرى على المستوى المحلي، كما تعقّد الظروف المحيطة إقليميا، يبقى الاقتصاد، بحكم تشعب ارتباطاته بحياة الأردنيين جميعاً، متربعاً على رأس المخاطر التي تتوجب مواجهتها.
مع ذلك، لا تظهر بوادر انفراج للأزمة الاقتصادية التي تتعمق عاما بعد آخر، وبما يشير إلى تواصل انكماش دائرة الخيارات والحلول الممكنة لتحقيق النمو الضروري.
الدلالات على أن الدائرة تضيق متعددة؛ آخرها ما أكدته أحدث الأرقام الرسمية، الصادرة عن دائرة الإحصاءات العامة قبل أيام، من استمرار التباطؤ في نمو الناتج المحلي الإجمالي العام الماضي؛ إذ بلغ -بالأسعار الثابتة- نسبة 2.4 % في العام 2015، مقارنة مع 3.1 % خلال العام الذي سبقه. كما تبيّن الأرقام أن النمو تراجع أيضا في الربع الأخير من العام الماضي إلى 2.6 %، مقارنة مع 3.3 % في الفترة نفسها من العام 2014.
ماذا يعني التراجع المتواصل؟ ببساطة؛ عجز السياسات الحكومية عن توسيع الدائرة وتحقيق الأرقام الاقتصادية المنشودة، للتخفيف من حدة تداعيات الأزمة على الأسر والقطاعات الاقتصادية المختلفة.
وتبدو متواضعة فرص تغيير اتجاهات النمو، استناداً إلى قراءة ما تخطط له الحكومة. إذ لا تسمح هذه القراءة بالتفاؤل بشأن ما سيتم خلال العام الحالي، كون الخطط هي ذاتها، نتيجة محدودية طريقة التفكير. كما أن تحليلا سريعا للموازنة العامة، ولاسيما بنود الإنفاق فيها، يفضي إلى نتيجة أن أرقام النمو لن تعدّل مسارها باتجاه الخروج من حالة التباطؤ وتحسين وتيرة المؤشر.
يتضافر ذلك مع التوقعات السلبية بشأن الواقع الإقليمي عموماً، والذي يمثل عائقا آخر يقف في وجه تحفيز النمو؛ إذ يُرجَّح أن تواصل الملفات الإقليمية المراوحة مكانها خلال العام الحالي. فلا أمل يُذكر بتوافق سياسي في سورية خلال هذا العام، وحتى العام التالي. كما أن أزمة العراق الداخلية، وإن بدت على أعتاب مرحلة جديدة، إلا أنه ليس ثمة ما يوحي بأنها تتجه نحو انفراج ما. وذلك يعني بالضرورة أن الدائرة ستضيق محلياً بشكل أكبر، وإن بفعل عوامل خارجية.
أيضاً، سيبقى اللجوء السوري عامل ضغط إضافيا، خصوصا مع تواضع حجم المنح المالية المقدمة من مجتمع المانحين لمساعدة الأردن في التخفيف من هذا العبء الذي يزيد حجم أثره بمرور الوقت، فيما العالم يخطئ في تقدير الضغط الذي يشكله على الحالة الأردنية الاقتصادية والاجتماعية.
لكن، إذا كان التحكم بالظروف الإقليمية مستحيلا، كون الأردن متلقيا لنتائجها وليس صانعا لها، فإن إمكانية التحرك تبقى متاحة على صعيد بعض الجوانب الإجرائية الداخلية. وهو ما لم تبادر إليه الحكومة الحالية، بل استسلمت لما يجري، ووجدت في “شمّاعة” الظروف الإقليمية مبررا لعدم نجاحها في هذا الجانب.
محاولة توسيع دائرة النمو اعتمادا على أحوال الإقليم تبدو مستحيلة؛ والأسواق البديلة التي وفرتها الحكومة ليست سوى إنجاز من قبيل “حبر على ورق”. وبذلك، لا يبقى من أمل “خارجي” إلا أن تهطل علينا المنح المالية، وهذا أمر غير الوارد. هكذا، يكون المتاح الوحيد هو أن ننظر إلى شأننا الداخلي، وأن ننصت لشكوى القطاع الخاص التي لا تتوقف، من المعيقات التي تفرضها الجهات الحكومية على الاستثمار؛ إذ ما المغزى من أن يستغرق إصدار إذن أشغال مدة 6 أشهر، وأن يتعذب المستثمر بإجراءات تحبطه وتدفعه في النهاية إلى التراجع عن العمل، وهو ما يحدث لدينا بشكل متكرر؟!
تبديد الشعور بعدم الاطمئنان، بل وحتى الإحساس بعدم اليقين حيال الاقتصاد الأردني وفرصه في النمو، هو الحل المتوفر حاليا للتخفيف من الضغط. فالحل يكمن في التفاصيل، وتفاصيل التفاصيل، وهذه تمثل معضلة كبيرة فعلا بالنسبة لنا. فهل ستتوقف شكوى القطاع الخاص؛ بالحلول، وليس باليأس والهجرة إلى بلد آخر؟