ليس جديدا الكلام عن «الدور الوظيفي» للسلطة الوطنية الفلسطينية، فالمشروع الوطني الفلسطيني، تحول تدريحيا من مشروع يقاوم الاحتلال، الى خدمته أمنيا.
هذه خلاصات مرة، لاوسلو، وما تلاها من اتفاقات وملاحق سرية وعلنية، ونحن في عز الغضب حول ما يجري في كل فلسطين المحتلة، وما يجري حصرا في القدس، يخرج علينا رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس، ليبيعنا كلاما «عاقلا» عبر مقابلته مع القناة التلفزيوينة الاسرائيلية الثانية، وهو كلام يراد عبره تأكيد «الدور الوظيفي للسلطة»، اي حماية امن اسرائيل، بمعزل عن كل قصة الفلسطينيين، على مدى اكثر من ستين عاما.
يقول الرئيس، ان السلطة وعبر اجهزتها تقوم بتفتيش حقائب الطلبة الفلسطينيين بحثا عن السكاكين، وانه تم اكتشاف اكثر من حالة لطالب يحمل سكينا في حقيبته، مضيفا، ان الطالب الفلسطيني لا يستشير والده او شقيقه، قبيل تنفيذ عملية طعن، مؤكدا في السياق ذاته ان يده ممدودة للسلام، متفاخرا بالوقت ذاته بالتنسيق الامني مع اسرائيل.
لا تعرف كيف يمكن لرئيس السلطة هنا، ان يعيد تأكيد دور سلطته في حماية اسرائيل، وانه لولا الاجراءات التي تتخذ ضد الطلبة لوقعت عمليات طعن اضافية، فهذا التذكير بفضل السلطة على الاحتلال، تذكير خاسر سياسيا ووطنيا؟!.
لم يتحدث الرئيس عن مأساة الفلسطينيين، ولا عن تقطيع اوصال الضفة الغربية، ولاعن تهديدات القدس والاقصى، وهو ايضا، لم يتحدث عن كل الخسائر في المشروع الوطني الفلسطيني، الذي تم تحويله الى مجرد مشروع تابع للامن الاسرائيلي، ويقبع في الحديقة الخلفية، لدى قيادات السلطة، باعتبار ان حماية اسرائيل، هي كل ما يمكن ان تقدمه السلطة للشعب الفلسطيني، من اجل ان لا تنتقم منه اسرائيل، عبر اجراءاتها.
هذا افلاس عز نظيره، فالمشكلة اليوم، ليست مشكلة سكاكين، وطلبة غاضبين، يراد ترضيتهم، عير اجراءات معيشية؛ لان المشكلة الأصلية مشكلة الاحتلال، الذي ابتلع كل فلسطين، وهو يجهز اليوم، على ما تبقى منها، وقد بدأت مصيبة فلسطين باحتلالها كلها، ثم صغرت حتى وصلت الى النقاش حول جدوى «سكاكين الفواكه» في مقاومة الاحتلال.
قيل مرارا ان السلطة الوطنية افلست؛ لأن لا مشروع لديها، سوى دورها الوظيفي، اذ اننا نرى ان لا سلم ولاحرب، ولا يراد حتى للتعبيرات الصغيرة، اللفظية، او الفعلية ان تخدش الاستقرار النفسي الاسرائيلي، وحين يعيد الرئيس التذكير بالدور الوظيفي، عبر تفتيش حقائب الطلبة، فهو يقول للاسرائيليين، ولغيرهم، ان السلطة اولا ليست مسؤولة عن افعال الغاضبين والثائرين، وانها تبذل كل ما بوسعها، لوقف عمليات الطعن، ثم تفرش هذا الكلام على بساط التوسل بمزيد من التنسيق الامني، واستجداء التسوية السلمية.
ذهنية السلطة قائمة، على فكرة مشهرة تقول انه ليس بالامكان احسن مما كان، وان الشعب الفلسطيني تعب، وان اي تضحيات بالدم، مجرد خسارة في الميزان الكلي للقضية الفلسطينية، ذهنية تتطابق مع متطلبات الدور الوظيفي، اذ لا يمكن ان يتم فهم هذا الكلام، باعتباره تأكيدا على ان السلطة غير ارهابية، من اجل ارضاء اسرائيل وقوى عالمية، وهو يعبر حصرا، عن انعدام كل الخيارات، فوق منع توليد وتصنيع اي خيارات شعبية، بدفع ذاتي من الشعب.
هنا، يمكن القول ببساطة ان الشعب الفلسطيني، يعاني من احتلال لا يرحم، ومن سلطة، تجري ارادة الاحتلال، والاول ارحم وجدانيا، لان سلوكه متوقع، اما الثاني فيريد فوق القمع، ان يتسبب بفصام نفسي وطني، حين يرى الفلسطيني، فلسطينيا آخر من جماعة «الدور الوظيفي» يقمعه ويلاحقه، ويمنعه من القول: ان فلسطين لنا وحدنا.
لكن هل يستقبل نتنياهو تصريحات عباس بعين العطف، او يأخذها في حسابه؟!.على الارجح ان هذه التصريحات ايضا، بلا قيمة في نظر الاسرائيليين، فالدور الوظيفي، هنا، مجرد استحقاق طبيعي لاوسلو، ولاكرم فيه، او فضل، من السلطة على اسرائيل، وعباس هنا، يبيع الماء، في حارة السقائين اليهودية، التي يعرف اربابها، ان كل ماتفعله السلطة، تحصيل حاصل، مقابل كراسي وامتيازات وادوار من فيها، وليس خدمة للسلام العالمي!.
ويبقى السؤال..لمن يبيع عباس تصريحاته، ما دمنا اتفقنا ان الدور الوظيفي تحصيل حاصل.على الاغلب هي رسالة تهديد الى الفلسطينيين ذاتهم، ان فتشوا حقائب ابناءكم، وقلموا اظافرهم، كل صباح، حتى لا نقوم نحن بهذه المهمة، وهكذا تصب تصريحاته من جهة أخرى في ذات الدور الوظيفي المشهر دون تردد او تعثر في تعبيراته.