قرار محافظ العاصمة عدم السماح للإخوان المسلمين “سابقا” أو “الإخوان المسلمين 1″، بإجراء انتخابات داخلية، يرجّح مقولة أن الحكومة تدفع “الإخوان” الذين لم ينضووا في عملية التصحيح القانوني أو إعادة التسجيل، إلى الاندماج في حزب جبهة العمل الإسلامي، أو التوافق على وعاء قانوني جديد للعمل يحمل اسما غير “الإخوان المسلمين”؛ وأن الحكومة تريد أن يتم ذلك من غير تصعيد أو مواجهة، وبخاصة في مرحلة التحضير للانتخابات النيابية المقبلة. فالحكومة تريد بالتأكيد أن تجرى الانتخابات النيابية من دون أحداث أو مشكلات تؤثر عليها، وتريد أيضا أن يشارك الإخوان المسلمون فيها، فمشاركتهم تمنح هذه الانتخابات زخما يزيد مصداقية الحكومة والانتخابات معاً. كما أن وجود تيارات سياسية وأيديولوجية منظمة ومتماسكة تحت قبة البرلمان، يجعل العمل النيابي أكثر احتراما وقبولا، ويؤثر على اتجاهات جميع النواب وعمل المجلس باتجاه أكثر جدية، من دون أن يؤثر ذلك على الاتجاهات والمواقف والسياسات العامة للحكومة، أو يلحق بها ضررا؛ على العكس، يمنحها هذا مستوى أفضل من الصّدقية والشرعية.
سوف يجري الإخوان المسلمون “سابقا” انتخاباتهم التنظيمية الداخلية من دون إعلان، ومن دون استخدام لمقرات عامة أو علنية؛ فالحكومة لن تنشغل بملاحقتهم وتطبيق اعتبارهم جماعة محظورة أو غير قانونية، وربما لا تحتاج إلى ذلك، فهي لا تريد إخفاء هذا الطيف السياسي الاجتماعي، ولكنها تفضل أن يندمج في إطارات ومجالات أقل تناقضا مع الدولة والاتجاهات الإقليمية، وأن توقف التعامل معهم باعتبارهم جماعة الإخوان المسلمين ولكنهم حزب جبهة العمل الإسلامي، ولا بأس أن يقال على نحو غير رسمي أو قانوني أو بين قوسين “الإخوان المسلمون”، وبخاصة إذا حصلوا على نسبة مؤثرة في الانتخابات المقبلة، وهذا وارد بالطبع. ومتوقع أن الإخوان المسلمين فهموا الرسالة وأدركوا أنهم يعيشون حالة لم يعد لهم قدرة على التأثير فيها، إلا من خلال المكاسب الانتخابية المحتملة.
لقد أصبح أمرا واقعا أن الإخوان المسلمين ينقسمون اجتماعيا وليس سياسيا أو فكريا. وهو انقسام ليس نخبويا أو قياديا، ولكنه ممتد أيضا في القواعد الاجتماعية. ولم يكن انقساما طارئا أو جديدا، ولكنه بدا تحديا واضحا وعميقا منذ العام 1989، وقد تشكل وتأسس في الواقع منذ أوائل السبعينيات، ولكن العملية السياسية التي استؤنفت وما اقتضته من تحولات وتشكلات أظهرت التحديات والأزمات الساكنة والمخفية. ثم أكد “الربيع العربي” على مسألتين لم تكونا طارئتين، ولكنهما ظهرتا بوضوح: صعود الهويات الفرعية وتنامي الوعي بها؛ وصعود الأولويات والخدمات الأساسية في التنمية والإصلاح ودورهما في السياسة والانتخابات.
صحيح أن الإخوان المسلمين والتيارات السياسية تخاطب جمهورا وقواعد تعرف نفسها بوضوح مكانيا أو اجتماعيا، ولكنها في الوقت نفسه تؤكد على تطلعات عملية متصلة بتحسين حياتها. وقد عكس قانونا الانتخاب واللامركزية هذا الوعي المتنامي. وربما لا يكون ثمة إدراك واضح أو اعتراف بذلك. وعلى أي حال، فليس ذلك عيبا، ولكن المشكلة متعلقة بإدارة الحالة، وأسوأ ما يمكن أن نقع فيه (حكومات أو مجتمعات أو جماعات أو أفرادا) هو عدم إدراك المشكلة أو عدم الاعتراف بها. ولسوء الحظ، فإن إنكار مشكلة لا يعني عدم وجودها.