لم يكن أحد ليتصور أن مختطف الطائرة المصرية سيف الدين مصطفى، الذي استنفر أجهزة الأمن المصرية والقبرصية، واحتل شاشات التلفزة العالمية لساعات طويلة، كان انتحاريا مزيفا، وما يحمله على خصره مجرد حزام محشو بالقطن؛ يعني “فشوش” بلهجة الأشقاء المصريين.
وفي نظرة على أحداث اليوم الطويل من عملية الاختطاف، يتبادر إلى الأذهان على الفور فيلم الممثل المصري الشهير عادل إمام “إرهاب وكباب”. لا شك أن معظمنا قد شاهد الفيلم مرات عدة، وفيه يحتل إمام مجمع الدوائر الحكومية وسط القاهرة، ويحتجز مئات الرهائن، من دون أن تكون بحوزته قطعة سلاح. ثم يدخل في مفاوضات طويلة مع رجال “الداخلية” المصرية والحكومة، ويتذكر في غمرة الأحداث أن ليس لديه مطالب محددة أصلا! فلا يجد ما يمكن تحقيقه لجمهور المختطفين المتضامنين معه سوى طلب المئات من أسياخ الكباب؛ وهي الأكلة المحببة لغالبية المصريين. وما تبقى من أحداث في عهدة القراء.
المهم أن مختطف الطائرة المضطرب نفسيا على ما تقول السلطات الرسمية، حوّر قليلا في أحداث فيلم عادل إمام، وبدل الكباب طلب تسليم رسالة لمطلقته القبرصية التي تسكن قرب المطار، وفي الأثناء أمتع المتابعين على شاشات التلفزة والمختطفين من الركاب بسلسلة من الأحداث التي لا يمكن أن نشهدها في عملية اختطاف حقيقية.
أفرج عن الركاب على دفعات، وكانوا يهبطون على سلم الطائرة وكأنهم وصلوا للتو متشوقين لوجهتهم السياحية؛ يجرون أمتعتهم بأمان واطمئنان، وترتسم البسمة على وجوههم.
في غضون ساعتين تقريبا، لم يبق سوى سبعة ركاب بمعية المختطف “الخطير”. أما قائد الطائرة، فاختار التسلل من أحد نوافذها؛ ما منح المشاهدين مزيدا من اللقطات المشوقة.
قبل أن ينقلنا المخرج لتصوير المشاهد الخارجية في قبرص، كانت السلطات الأمنية المصرية قد أذهلتنا بمشاهد غاية في التشويق والإثارة، عندما أعلنت أن خاطف الطائرة هو دكتور جامعي يدعى إبراهيم سماحة. وسارع التلفزيون المصري إلى تسجيل السبق بنشر صورته لملايين المشاهدين. ليتبين بعد قليل أن سماحة أحد ركاب الطائرة وليس مختطفها.
وفي الفترة الفاصلة بين اتهام سماحة واكتشاف الحقيقة، تكفل محللو “الفهلوة” المصرية على شاشات التلفزة بكيل الاتهامات للمواطن الغلبان؛ تارة باتهامه بالإرهاب، وتارة أخرى بالارتباط بجماعة “الإخوان”.
قيل لاحقا إن على الطائرة رجل أمن. وحال الأخير هذا ذكرني بالشرطي المغلوب على أمره في فيلم عادل إمام، والذي كان يحرس المجمع الحكومي، ولم يجد خيارا سوى الوقوف إلى جانب “الإرهابي” ووضع سلاحه تحت تصرفه. رجل الأمن الرعديد الحامي للطائرة وركابها ظل وحده مع المختطف المزعوم، لكنه لم يتذكر ولو لمرة واحدة ما يتوجب عليه فعله في مثل هذه الحالات. الأرجح أنه لم يكن ليصدق أنه في الجزيرة الساحرة قبرص بعد أن كانت وجهة الطائرة هي القاهرة.
الحادثة “الفيلم” عكست انعدام الثقة بإجراءات التفتيش في المطارات المصرية، بعد الاختراق الخطير في مطار شرم الشيخ، حيث تمكن الإرهابيون من زرع قنبلة شديدة الانفجار داخل طائرة روسية، ووقعت الكارثة. ولو لم يكن لدى طاقم الطائرة أي شك بالإجراءات، لما تأخروا لحظة في مهاجمة صاحب الحزام المزيف ومضوا في رحلتهم بسلام.
على كل حال، الركاب عادوا سالمين إلى القاهرة بعد مغامرة شيقة كما قال أحدهم. والخاطف حقق مراده وظل في قبرص سجينا قرب زوجته. فيلم لا يمكن أن تشاهد مثله إلا في مصر المحروسة.