مع استقالة مجلس المفوضين في الهيئة المستقلة للانتخاب، ترتفع وتيرة التوقعات والتكهنات السياسية في البلاد بشأن الاستحقاقات الدستورية والسياسية الكبرى المقبلة، المرتبطة بموعد الانتخابات النيابية المنتظرة، وما يترتب عليها من استقالة الحكومة وحلّ مجلس النواب، ثم تشكيل الحكومة الجديدة، وسيناريوهات بورصة الأسماء المقترحة، وعمر الحكومة القادمة.
هذه الحالة من الترقب والانتظار ليست فقط ضارّة من زاوية انتشار الأقاويل والإشاعات وتكاثر النميمة السياسية، بل أيضاً من زاوية أكثر أهمية، ترتبط بعمل الحكومة والوزارات والمؤسسات المتعددة، فيما يتعلّق بالقرارات المختلفة. فالوزراء والمسؤولون الكبار في مثل هذه الحالة يفضّلون التريّث تجنّباً لقرارات يحاسبون عليها غداً، سواء أخطأوا أم أصابوا.
تتجنب الحكومة، في الوقت نفسه، في ظل هذه الحالة، مغادرة “الدوار الرابع”، غداة اتخاذ قرارات صعبة، فتلجأ إلى التسويف والمماطلة، كي تحمل الحكومة المقبلة وزر القرارات غير الشعبية أو الصعبة. وهو أمر متوقع، في ظل مشروع الاتفاق الجديد مع صندوق النقد الدولي، الذي يحمل في باطنه قرارات متوقعة فيما يخص السلع والخدمات الأساسية.
أسوأ ما في الأمر أنّ هذه الحالة تأتي أيضاً غداة مؤتمر لندن، الذي تضمن قرارات مهمة من قبل المؤسسات الدولية والدول الكبرى لدعم الاقتصاد الأردني، فيما يتعلق بقواعد المنشأ (بشأن الصادرات للاتحاد الأوروبي خصوصاً) والبنية التحتية والدعم المالي، لكنّ تنفيد هذه المخرجات مرتهن بدرجة أساسية بقيام الحكومة بتحضير الدرس جيّداً، وتقديم المشروعات والخطط التي تتكفل بتطبيق هذه المخرجات والاستفادة منها إلى أقصى مدى. وهي عملية، كما يفيد خبراء اقتصاديون، ليست سهلة أو بسيطة، بل تحتاج إلى تصوّرات ذكية عميقة، لاغتنام الفرصة المتاحة.
لذلك كلّه، وللخروج من حالة “الكوما” السياسية والاقتصادية، فإن من الضروري أن يتم تحديد مواعيد الأجندة الزمنية المطلوبة للاستحقاقات الدستورية والسياسية؛ بتقرير موعد الانتخابات النيابية المقبلة، ووضع خريطة دقيقة بما هو مطلوب من الحكومة ومجلس النواب إلى حين انتهاء مدة المجلس الحالي، من تعديلات تشريعية وقرارات اقتصادية وسياسية.
في الأثناء، تروّج أوساط نيابية وسياسية لسيناريو ترحيل أو تأجيل الانتخابات النيابية المقبلة، والتمديد للمجلس الحالي، بدعوى ما يحدث في سورية من تطورات، لانتظار المشهد الإقليمي وما يمكن أن يسفر عنه!
وهو سيناريو ناقشتُ سابقاً أسباب معارضتي له، وفي صلب ذلك أنّه على العكس من تلك الفرضيات، فإنّ الحالة الداخلية هي محط الرهان الحقيقي في مواجهة أي تحديات، والخطر الأكبر الذي يهدد استقرار الدول في عالم اليوم يبدأ من الداخل لا من الخارج، ما يتطلب وجود مؤسسات سياسية قوية فاعلة، تحظى بحضور وقبول لدى شريحة اجتماعية واسعة.
لذلك، فإنّ إجراء الانتخابات النيابية سيساعد كثيراً في تحريك المياه الراكدة الداخلية. ووجود مجلس نواب، وفق قانون جديد، يعطي زخماً للوضع السياسي، بعدما وصل المزاج الشعبي إلى طلاق شبه كامل مع الحكومة والمجلس الحاليين.
من المهم أن يبعث “مطبخ القرار” برسالة سياسية، داخلياً وخارجياً، مطمئنة وقوية، بأنّ الدولة في وضع جيّد، وأنّ الطريق الإصلاحية ما تزال سالكة، وأننا نسير لتعزيز الحريات العامة والسياسية واحترام حقوق الإنسان وتكريس التعددية، ووضع الأمن في رعاية الإصلاح السياسي. وهي الضمانات الحقيقية، من وجهة نظري، للتقدم إلى الأمام وتخطّي هاجس ما يحدث في المنطقة، وليس العكس.
ذلك كلّه يتطلب النظر إلى عملية اختيار رئيس ومجلس مفوضي الهيئة المستقلة للانتخاب باهتمام شديد، عبر شخصيات لها وزنها السياسي ومصداقيتها واستقلاليتها، فهذا المعيار الأكثر أهمية؛ وليس وفق منظور المحاصصة السياسية والجغرافية، الذي يبدو أنّه بمثابة العامل الأول لدى الدولة حالياً!