لا شك لديّ مطلقاً أن عالمنا، بخلاف بقية عوالم الأرض الأخرى، يعيش حالة جنون غير مسبوقة. ففي أسبوع واحد وقعت عدة أحداث يحتار المرء كيف يصفها بغير الجنون المحض. ففي حادثة غريبة وغير إنسانية، ولا يمكن أن تسمع بها في أي مجتمع آخر، قامت مربية مسلمة بذبح طفلة روسية تحت رعايتها بسكين حادة، وفصلت رأسها عن جسدها بساطور، ووضعته في كيس، ونزلت به إلى الشارع، وهي ترتدي البرقع، وأضرمت النار في الرأس، وهي تطلق صيحات «الله أكبر»، فيما يبدو وكأنه احتجاج على التدخل الروسي في سوريا.
وفي مصر قامت السلطات بالحكم بالحبس على أربعة صبية مسيحيين صغار لخمس سنوات بتهمة ازدراء الدين الإسلامى، في الوقت الذي سكتت فيه عن الآلاف الذين يزدرون الدين المسيحي علناً، وعلى المنابر كل يوم.
وفي فيديو مرعب صوَّرته داعش قام «أب» بتعليم ابنه الصغير قيادة السيارة، وقام بملئها بالمتفجرات، وأحاط جسد طفله بحزام ناسف، وأرسله ليفجِّر نفسه في موكب عسكري.
وفي باكستان خرج الملايين من شعبها الغيور، تاركين أسرهم وأعمالهم ومصالحهم، ليشاركوا في تشييع «غازي قادري». وغازي هذا ليس بطلاً قومياً ولا مصلحاً اجتماعياً ولا مكتشفاً فذاً ولا حتى معلماً مغموراً، بل هو أحد حراس حاكم البنجاب، الذي غلت دماء الغيرة على معتقده في عروقه، فقام فور سماعه بتعاطف سيده الحاكم مع امرأة سجينة ومتهمة بازدراء الدين الإسلامي ورموزه، بتفريغ رصاص بندقيته العسكرية في جسد الحاكم، وفق رؤاه الشخصية وتخيلاته النفسية، فأصبح بطلاً في نظر قومه.
وبعد محاكمة مطوَّلة، صدر الحكم بإعدامه، ونفّذ به، فخرجت باكستان عن بكرة أبيها لتشيع بطلها «القومي»!
لا أدري أين كانت هذه الجماهير عندما سرق سياسيوها أحلام وطن بكامله. وأين كانوا من كل هذا التخلّف الاقتصادي الذي ترزح تحته بلادهم، ولماذا لم يعترضوا على اعتماد وطنهم على المساعدات الخارجية، والمسيحية بالذات؟ ولماذا لم يتظاهروا يوماً ضد الفساد المالي والسياسي والخراب الإداري، وانقطاع الكهرباء وانعدام الأمن في ثلاثة أرباع البلاد، وقلة مياه الشرب النظيفة، وهبوط كل مؤشرات التنمية والتقدم، مقارنة بجارتهم وغريمتهم الهند؟
أسئلة ستبقى دون جواب، فقوانين النشر لا تسمح بذلك، خاصة أن ما حرّك الجماهير الباكستانية هو الذي يحرّك معظم أئمة مساجدنا وكبار رجال الدين لدينا، الذين لم يحتجوا يوماً على جبال مشاكل الفساد التي نعاني منها، ولا السرقات الخفية والعلنية، ولا الزيادة الكبيرة في أعداد ضحايا المخدرات والارتفاع الكبير في أعداد نزلاء السجون ولا مشاكل المرور والإدارة الحكومية الهرمة، ولكن ما إن يقترب أحد من المرأة وخروجها ولبسها وتبرّجها وتعليمها واختلاطها بالغير، حتى تغلي الدماء في عروقهم وتثور ثائرتهم ويخرج الشرر من أعينهم، فيضعون البشوت على أكتافهم ويمتطون دوابهم الألمانية الميكانية وينطلقون لولاة الأمر للاحتجاج على ما يعتقدونه قمة الفسق والفجور. ويا أمة….!