ثمّة أفكار متطوّرة وتقدّمية طُرحت في الاجتماع الذي دعا إليه قادة المبادرة الأردنية “زمزم”، يوم السبت الماضي، والتي سيستند إليها مشروع المبادرة الحزبي.
نظرياً، يمثّل هذا الخطاب حالة متقدّمة، يقف وراءه مثقف إسلامي من طراز رفيع، هو الدكتور رحيل غرايبة. لكن السؤال الأكثر أهمية، عملياً، يتمثل في: ما هي إمكانية هذا الحزب وفرصه في النجاح في الانتخابات النيابية المقبلة؛ وفيما إذا كان سيكون بالفعل مستقلاً ومنافساً للأحزاب الأخرى، وبخاصة جبهة العمل الإسلامي (ممثل جماعة الإخوان الأمّ)، أم أنّه سيأخذ المسار السابق الذي ذهب إليه حزب الوسط الإسلامي (حزب المنشقّين الإخوان الأوائل)، الذي أصبح يعتمد على الدولة كرافعة لدوره السياسي وحضوره البرلماني؟
أظنّ أنّ المعني بالدرجة الأولى بالإجابة عن هذا السؤال المفصلي هما الدكتور الغرايبة وزميله نبيل الكوفحي، وهما على درجة معتبرة ومتميزة من الخبرة السياسية، فهل لديهما تصوّر عملي واقعي لمواجهة معضلة “الجماهيرية”؟!
جوهر المعضلة، كما يعرفها القياديان السابقان في “الإخوان”، يتمثل في أنّ جبهة العمل الإسلامي ما تزال تملك الحضور الجماهيري الأكبر في المدن الرئيسة الثلاث، بينما قدرة الحزب الجديد على الحصول على مقاعد عديدة في المحافظات، من دون مساعدة “الدولة”، ستكون محدودة. وإذا ما فضّل الخيار الأول لمواجهة هذه المعضلة، ولأسباب مالية أيضاً، فإنّ النتيجة ستتمثل في تكرار تجربة حزب الوسط، فما الجديد؟!
ثمّة فكرة متداولة اليوم تتمثّل في لمّ شمل الأحزاب الإسلامية المنشقّة عن “الإخوان”، وتجميعها تحت يافطة واحدة، مثل حزب “زمزم” الجديد وحزب الوسط الإسلامي، لتثقيل حضورها الانتخابي، وتشكيل تيار إسلامي أكبر، منافس لجبهة العمل الإسلامي، بخاصة أنّ حزب الوسط ما يزال موجوداً في البرلمان وفي الحياة الحزبية، وهو من الطينة نفسها تقريباً التي أخرجت حزب “زمزم”، أي رحم جناح الحمائم والوسط (المعتدل) في الإخوان المسلمين، ما يجعل من موضوع تجميع هذه “القطع الإسلامية” خياراً رئيساً!
بالطبع، الدكتور رحيل غرايبة يحمل فكرة مختلفة، أُدركها تماماً. وهي فكرة نبيلة ومتقدمة، تتمثل في الخروج من مربع الشعارات الإسلامية إلى الوطنية، وعدم التقولب في إطار إيديولوجي معين. لكنّ مثل هذه الفكرة بحاجة إلى قوة دفع شعبية وواقعية، وهو الاختراق الذي لم يحدث حتى اللحظة، ولا نشعر بأنّ الحزب الجديد وجده، بالرغم من الجهود الكبيرة التي يقوم بها لتوسيع قاعدته الشعبية وتسويق طروحاته.
على صعيد جبهة العمل الإسلامي، فإنّ الخيار الوحيد العقلاني المطروح أمامها هو المشاركة في الانتخابات المقبلة، لأنّ بديل ذلك التقوقع أكثر والانغلاق على الذات، ودوّامة الأزمة الداخلية. وربما هذه القصة يدركها تماماً مهندس أفكار الجماعة حالياً، زكي بني ارشيد، الذي عمل فور خروجه من السجن على “لملمة الطابق الداخلي”، وهرول نحو قادة جناح الإنقاذ والحكماء في محاولة استرضائهم في إطار الجماعة، حتى وإن اختاروا في نهاية اليوم تشكيل إطار سياسي جديد!
مصادر تيار الحكماء تؤكّد أنّهم عازمون على تأسيس الإطار الجديد، وعدم المشاركة في انتخابات “الإخوان” الداخلية، وتجميد نشاطهم التنظيمي الانتخابي الداخلي، مع إصرار تيار الشباب في هذا الجناح على المضي في تأسيس حزب جديد، والانطلاق نحو الشارع والمجتمع، والخروج من الحلقة المفقودة في الصراع الإخواني الداخلي، الذي استنزفهم في الأعوام السابقة.
قيادات الجناح، مثل الدكتور عبداللطيف عربيات وعبدالحميد القضاة وسالم الفلاحات وحمزة منصور وجميل أبو بكر وخالد حسنين وغيرهم، مطالبون اليوم بالتحلي بالجرأة واتخاذ القرار المناسب، وعدم البقاء في مربع التردد والحيرة؛ فذلك أكثر ضرراً من أي قرار يأخذونه!