لو سلمنا جدلا بصوابية استخلاص “الغد” أمس؛ بأن نتائج السياسة الاقتصادية خلال السنوات الثلاث الماضية، والمستندة إلى توصيات صندوق النقد الدولي، كانت “محبطة”، فإن سؤالا، لا بل أسئلة تتداعى على الفور؛ هل المشكلة في وصفات “الصندوق”، أم في التطبيق؟ هل امتثال الحكومة لهذه الوصفات كان خيارا صائبا؟ وثمة سؤال جوهري لا بد منه؛ هل كانت النتائج لتختلف لو تغيرت الحكومة؟
ينبغي التذكير أولا أن الأردن لجأ لوصفة “النقد الدولي” بعد أن بلغت الأزمة عنق الزجاجة. ومثل أي مريض يتأخر في العلاج، فإن عليه أن يقبل جرعات دواء شديدة المرارة، ستترك من دون شك أعراضا جانبية، وخطيرة أحيانا.
هذا ما حصل بالضبط. وفاقم من الحالة المرضية فيروسات خارجية ضربت جسدا يعاني من نقص شديد في المناعة؛ فوضى الإقليم، وحدود مغلقة في وجه التجارة، وإرهاب من حولنا يدفع المستثمرين إلى تجنب العبور من منطقتنا.
هل من وسائل كان يمكن اللجوء إليها للتخفيف من أوجاع الاقتصاد المريض؟
بالتأكيد توجد مثل هذه الوسائل؛ لكنها محدودة جدا، ولن تحدث فرقا جوهريا. لقد شهدنا حالة تخبط في التشريعات، وبعض التجاوزات في مجال الإنفاق، وتراجعا في الإيرادات. لكن لو افترضنا عدم حدوثها، فهل كان الاقتصاد سيتعافى حقا وينهض ليخترق الحدود المغلقة، ويجذب الاستثمارات الضخمة؟
من المهم جدا أن ينخفض عجز الموازنة العامة إلى أدنى نسبة ممكنة، وأن لا ترتفع المديونية، ويسجل النمو ارتفاعا ملموسا. لكن تحقيق هذه “الأمنيات” محكوم بعوامل كثيرة، لم يتوفر أغلبها للاقتصاد الأردني في السنوات الأخيرة.
ومن يستطيع أن يجزم بأن تغيير الحكومة كان سيُحدث تحولا كبيرا في أوضاع الاقتصاد؟ لقد جربنا من قبل التغيير السريع للحكومات، وكانت النتائج مأساوية على البلاد والعباد. وفي المطروح من جانب النخب من سياسات بديلة وأفكار اقتصادية، لا يجد المرء فيها ما هو خارج عن المألوف والمجرب، خاصة وأن أكثر المبادرين لطرحها كانوا قد تولوا مواقع المسؤولية في البلاد من قبل، ولم يأتوا بجديد غير ما في الصندوق من حلول مكررة.
إن الحاجة لمقاربة اقتصادية جديدة وخلاقة أمست مطلبا حيويا. لكن ينبغي الحذر من رفع سقف التوقعات في المرحلة المقبلة. هناك بارقة أمل بتحسن في الظروف الإقليمية في النصف الثاني من العام الحالي، ربما ينعكس بشكل تدريجي وبطيء على الأوضاع الاقتصادية، بحيث يستعيد الاقتصاد بعضا من حيويته، وتنفتح أمامه أسواق مغلقة، وتتوفر فرص جديدة للاستثمار في مجالات عديدة.
وثمة مراجعات لا بد منها لأسلوب عمل أدوات الاقتصاد الوطني وتنشيط ديناميكياته الداخلية، ليساهم في تضييق الفجوة القائمة في سوق العمل. ولكل ذلك حدود لا يمكن المبالغة في المراهنة عليها؛ فنحن لغاية الآن لا نعرف حجم الآثار المترتبة على انكماش اقتصادات دول الخليج العربي، وتراجع أسعار النفط، واستراتيجية الولايات المتحدة تجاه بلداننا في حال تراجع التهديد الإرهابي وانتفاء الحاجة للدعم السخي.
إن تغيرات كبرى يمكن أن تحدث في المنطقة تجعل التوقعات ضربا من الخيال. نحن نعيش في الشرق الأوسط منذ أن خلقنا، ومن تجربة العقود الطويلة تعلمنا أن لا ننظر للمستقبل بتفاؤل.