أيام ويبسط الجيش السوري سيطرته على كامل مدينة تدمر التاريخية. المرتزقة من المقاتلين الأجانب في صفوف “داعش” لم يعد بوسعهم المقاومة. في الأثناء تكثف طائرات التحالف الدولي قصفها لمعاقل التنظيم في عاصمته الرقة، ويتواصل مسلسل اصطياد قادته من قبل فرق النخبة الأميركية.
تحرير تدمر يعني قرب نهاية التنظيم في الرقة. بضعة أشهر ليس إلا وتسقط المدينة التي تحولت لمركز للإرهاب العالمي، ومعسكر لتجنيد الشبان من كل أصقاع الدنيا.
حصار القوات العراقية المسنودة أميركيا لمدينة الموصل يشتد، والمعركة الحاسمة لتحرير المدينة على الأبواب.
باختصار؛ نهاية “داعش” ككيان و”دولة” تحكم أرضا وسكانا باتت وشيكة، وذلك يعني أن الخطر الذي كان يهدد دول المنطقة والعالم يوشك على الزوال.
لكن هذه ليست النهاية السعيدة؛ مصائب المنطقة وويلاتها ماتزال قائمة، والتخلص من دولة الإرهابيين في سورية والعراق ليس سوى بداية طريق طويل وموحش.
إذا ما سارت التطورات حسب التوقعات، وانهار “داعش”، فإننا أقرب مانكون لدخول مرحلة انتقالية من الحرب على الإرهاب. سيقضي الآلاف من إرهابيي “داعش” في المواجهات الدائرة أو التي ستدور في تدمر والرقة والموصل والفلوجة، وغيرها من المواقع، لكن مثلهم أو أقل سيفرون من ساحات المعارك، وفي مواجهة لا تحتمل سوى خيار واحد، سيقاتل هؤلاء في مكان، وستضطر دول المنطقة لشن عمليات تتبع للمقاتلين الفارين لقتلهم أو القبض عليهم. وقد تمتد هذه المرحلة لما يزيد على السنتين.
التحدي الأهم أمام السوريين والعراقيين على وجه التحديد هو إعادة تأهيل الآلاف من الشبان المراهقين والصغار الذين خضعوا عنوة لحكم “داعش” وتعرضوا لعمليات غسل دماغ، وتشربوا أيديولوجيا التوحش والكراهية في مدارسهم ومساجدهم ومعسكراتهم. ومداواة جراح لاتندمل لآلاف الفتيات اللاتي تعرضن للاغتصاب والزواج القسري من قبل الدواعش.
إنه تحد كبير وخطير قد لاتتمكن أنظمة متهاكلة من مواجهته، دون مساعدة فعالة من دول العالم.
المفارقة أنه وبينما تدخل “داعش الشرق الأوسط” مرحلة الأفول، تولد وعلى نحو متسارع طبعة أوروبية منه؛ “داعش أوروبا”، والتي أثبتت تفجيرات باريس وبروكسل أنها تملك جيشا من الخلايا التي استيقظت على وقع الضربات في سورية والعراق، وشرعت في ضرب قلب أوروبا، ومايزال في جعبتها الكثير لتفعله.
مايزيد على 3 آلاف شخص عادوا إلى دولهم الأوروبية بعد رحلة جهاد في سورية، وجلهم يحملون أفكارا متشددة وعدوانية تجاه مجتمعاتهم، وخيارهم الوحيد قتل الناس بكل الطرق المتاحة.
لقد بدت منظومة الأمن الأوروبي هشة ومهزوزة أمام الخلايا الإرهابية، وتفتقر للقدرة على المبادرة والاستجابة للمخاطر قبل وقوعها.
منذ البداية تساهلت دول أوروبية كثيرة مع سفر شبانها إلى سورية. في بلجيكا على سبيل المثال كانت حفلات الوداع للمجاهدين الذين ينوون السفر إلى سورية تجري على مرأى من السلطات الأمنية، وأحيانا بدعم مكشوف من حكومات بعض الدول كفرنسا مثلا.
لم تدرك هذه الحكومات أن تنظيما إرهابيا سيكون في استقبال الشبان الأوروبيين، وسيعيدهم من جديد لبلدانهم محملين بخبرة صناعة المتفجرات والأحزمة الناسفة، ومسلحين بأيدلوجيا متخصصة بالقتل.
“داعش” يذوي في الشرق الأوسط، بينما يضرب بقوة في قلب أوروبا؛ يا لها من مفارقة.