بعد اجتماع تمهيدي بين وزيري الخارجية جون كيري وسيرغي لافروف في موسكو، عقد الوزير الأميركي لقاء مطولا مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين امتد لأربع ساعات، خرج بعده الوزيران للصحفيين ليعلنا عن تفاهم شبه كامل حول سورية.
تفاهمات ترقى في جوهرها لتلك التي شهدها تاريخ المنطقة في القرن المنصرم بين القوى العظمى، وأسست لمرحلة تاريخية طويلة.
روسيا وأميركا اتفقتا، حسب قول الوزيرين، على جدول زمني لتأسيس إطار عمل للانتقال السياسي، والأهم صياغة دستور جديد للبلاد مع نهاية شهر أب (أغسطس) المقبل.
وحرص الوزيران على تذكير الطرفين السوريين المتفاوضين بأنهما سيضغطان عليهما للسير في عملية الحل السياسي عبر آلية جنيف القائمة حاليا.
وقبل إعلان لافروف-كيري التاريخي في موسكو، كان المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا قد اقترح خطة من 12 بندا كمبادئ للمفاوضات والحل السياسي، لم تلق معارضة من الطرفين؛ النظام السوري ووفد المعارضة. وعلى الفور أتبع دي ميستورا خطته هذه بإعلان عن موعد الجولة الجديدة من المفاوضات أوائل الشهر المقبل في جنيف.
ميدانيا، تُظهر الأطراف المتصارعة جدية أكبر في المحافظة على الهدنة “المؤقتة”، والتي ستتحول مع مرور الوقت إلى دائمة، بالنظر إلى درجة الالتزام بها وتشدد الراعيين الروسي والأميركي حيال أي خروقات من أي طرف. في المقابل، تتسارع الخطى العسكرية لمحاصرة تنظيم “داعش” الإرهابي في عقر داره، وتضييق الخناق عليه في مدينة تدمر التي استعاد الجيش السوري السيطرة على أجزاء واسعة منها.
التفاصيل ما تزال شحيحة عما دار في لقاء بوتين وكيري أول من أمس، وربما تتكشف المزيد من المعلومات خلال الأيام المقبلة. لكن العناوين التي خرجت لوسائل الإعلام تكفي لأن تكون “مانشيتات” تاريخية، تنبئ بقرب نهاية الكارثة في سورية.
والمؤكد أن تفاهمات الطرفين غير المعلنة بعد، تتجاوز العناوين تلك، وتدخل في صميم المواضيع الحساسة. لكن على غرار لقاء العام الماضي بين بوتين وكيري، والذي أسس لمسار جديد في سورية، يأتي الاجتماع الأخير ليرسم خريطة طريق متكاملة للحل، حرص الطرفان على تشكيل ملامحها على نحو متدرج وغموض بشكل مقصود، وتجنب القضايا الخلافية وعلى الأخص عقدة الأسد ومصيره، استناد إلى بيانات جنيف وفيينا التي تركت النهاية “المعروفة” مفتوحة حتى الفصل الأخير من كراسة الحل الانتقالي في سورية.
في الساعات الأربع من الاجتماع بين بوتين وكيري، لا بد أن الرجلين قد تطرقا بالتفصيل لشكل وهوية سورية المستقبل؛ الدستور ونظام الحكم والفيدرالية، والموقف من المسألة الكردية، والحكومة الانتقالية وتشكيلتها. وليس مفاجئا إذا ما وجدنا في الأرشيف بعد سنوات تفاصيل مدهشة عن تداول المجتمعين بأسماء شخصيات للمرحلة الانتقالية، ودور الأسد و”مقامه” مع نهاية المرحلة الانتقالية.
يسود الاعتقاد لدى الدبلوماسيين المتابعين لمفاوضات جنيف ولقاءات كيري ولافروف، بأن واشنطن وموسكو توصلتا إلى مسودة الحل السياسي في سورية، وأن ما سيدور من جولات تفاوض في جنيف، ليس إلا ترجمة حرفية لما خطه الراعيان الروسي والأميركي.