بعد نحو تسعين عاما على آخر زيارة لرئيس أميركي لكوبا، حطت أول من أمس الطائرة الرئاسية في مطار هافانا وعلى متنها الرئيس الأميركي باراك أوباما، في زيارة “تاريخية تدشن عهدا جديدا في العلاقات بين البلدين بعد قطيعة” دبلوماسية زادت على ستين عاما.
لم تتغير كوبا كثيرا بعد انهيار الاتحاد السوفييتي؛ ظل الحزب الشيوعي مهيمناً على الحكم، زعيم الثورة التاريخي فيدل كاسترو، ورّث الحكم لأخيه. لكن في عهد الأخير شهدت كوبا بوادر انفتاح على العالم من حولها. بات متعذرا في زمن الإنترنت وثورة المعلومات إبقاء الأبواب مغلقة في وجه التغيير.
لكن التغيير الأكبر وقع في أميركا وليس كوبا، وعنوانه أوباما بعقيدته الجديدة. احتاج أوباما 6 سنوات تقريبا كي ينجز استدارة جوهرية في سياسات أميركا الخارجية. إيران وكوبا كانتا عنوان تلك الاستدارة؛ إتفاق تاريخي مع طهران ينهي سنوات العداء، وعلاقات دبلوماسية كاملة مع هافانا تطوي عقود القطيعة والحصار.
كوبا بموقعها الجغرافي وهوية نظامها السياسي، كانت ضحية لعقود الحرب الباردة بين العملاقين الأميركي والسوفييتي. نظامها ثوري وحالم ومعاد للإمبريالية الأميركية، لكنه لم يكن يوما مصدرا لتهديد أمن أميركا؛ على العكس تماما، أجهزة الاستخبارات الأميركية، ولسنين طويلة، حاكت المؤامرات ودبرت الانقلابات للإطاحة بحكام كوبا؛ كم مرة حاولت المخابرات الأميركية اغتيال فيدل كاسترو؟ أميركا كانت خطرا على كوبا وليس العكس.
جاء باراك أوباما إلى السلطة في أميركا متحررا من إرث الإمبريالية وعقدة الهيمنة. كوبا بالنسبة إليه مجرد جزيرة في الجوار كان لها ماض وانتهى مع الحرب الباردة. وعالم القرية الكونية لا يحتمل استمرار مقاربات تلك الأيام. الانفتاح هو طريق الخلاص من موروث العداء الطويل.
من الناحية الاقتصادية، لا تعني السوق الكوبية الشيء الكثير لاقتصاد عملاق بحجم الاقتصاد الأميركي. سيكون بمقدور الأميركيين التنعم بشواطئ كوبا الساحرة، وإبرام صفقات محدودة في قطاع الخدمات والسلع الرخيصة. لكن بالنسبة لشعب كان يرزح تحت الحصار لأجيال، ويعاني من فجوة كبيرة مع العالم وفي كل المجالات، فإن ما حصل من تقدم يعد حدثا تاريخيا يستحق الابتهاج والحفاوة في استقبال الرجل الذي كسر الحصار الجائر وفتح أبواب كوبا للعالم.
السفارة سبقت أوباما لهافانا، ومن بعده ستلحق ثقافة السوق إلى كوبا. سنوات قليلة وسنشهد تبدلات جوهرية في نمط حياة الكوبيين. انخراط أكبر في عالم الأسواق والتجارة، وتكنولوجيا مدهشة تغزو متاجرهم وبيوتهم، تحمل معها قيم الحرية الفردية عند شعب اشتهر بتعلقه بالحياة ومباهجها، وشغفه بالترفيه والموسيقى، كما كل شعوب أميركا اللاتينية.
ستتقهقر سلطة الحزب الواحد أمام ثقافة الانفتاح. والمؤكد أن عجائز الحزب الشيوعي الكوبي سيلعنون في سرهم تلك الزيارة التاريخية، ويتمنون لو أن الجزيرة المعزولة تظل في عزلتها للأبد.
عند وصوله هافانا، وجه أوباما رسالة تحية للكوبيين، استهلها بسؤال: كيف الحال يا كوبا؟
هل يأتي زمن قريب ونسمع نفس السؤال حين تحط طائرة الرئيس في طهران؛ كيف الحال يا إيران؟