تلقيت اتصالات هاتفية مقلقة أمس، بعد نشر مقالي “فضيحتنا في الخرطوم”، عما حدث مع طلاب أردنيين ذهبوا لتقديم “توجيهي سوداني” و”توجيهي ليبي” في العاصمة السودانية، ودخلوا في “طوابق” تسريب الأسئلة، فنقلنا خبرتنا السابقة في هذا المجال إلى الأشقاء في الخرطوم.
السيناريو نفسه موجود، ومسكوت عنه من قبل وزارة التربية والتعليم، في تركيا هذه المرّة. فمواطنون أردنيون اتصلوا أمس، مؤكّدين لي أنّهم خاطبوا السفارة في أنقرة، التي قامت مشكورة بمخاطبة وزارة التربية والتعليم وكبار المسؤولين، للتحذير بشدة من وجود مدارس ليبية في تركيا تقوم بتدريس “التوجيهي الليبي” للطلبة العرب، ومن بينهم ما يزيد حالياً على 300 طالب أردني، للحصول على علامات مرتفعة، تماماً للأسباب التي تحدثنا عنها في ظاهرة الطلاب الأردنيين في الخرطوم في المدرسة الليبية.
تقول هذه المصادر إنّ المدرسة الليبية في تركيا تمنح علامات مرتفعة، وإنّ عدداً آخر من الطلاب الأردنيين، الذين فشلوا في الحصول على علامات مرتفعة في الفصل الأول من العام الحالي، التحقوا بتلك المدرسة.
تحدثت مع مصادر دبلوماسية أردنية، فأكدوا وجود هذه الظاهرة، وأنّ السفارة لاحظت ذلك مبكّراً، وخاطبت بصورة ملحة وزارة التربية والتعليم وعددا من المسؤولين قبل أن تتدحرج الكارثة وتكبر، بخاصة أنّ الظروف التي يعيش فيها هؤلاء الطلاب غير صحيّة، في منازل أقرب إلى العشوائيات.
وأضافت هذه المصادر أنّ هناك عدداً آخر من المدارس الليبية لتدريس “التوجيهي الليبي” في تركيا، للطلاب الأردنيين والعراقيين والسوريين، وهي شهادات مشكوك فيها تماماً. إذ لا نعرف في ظل الفوضى الراهنة في ليبيا لأي حكومة تنتمي هذه المدارس والشهادات؛ لطبرق أم طرابلس، وليس هناك أدنى مصداقية للشهادات التي يحصل عليها الطلاب، إذ تعطي المدارس الحق في تقييم الطلاب بنسبة 40 %، بينما للمنهج الوطني نسبة 60 %.
بعد أن حذّر مغتربون أردنيون من هذه المشكلة، وتدخّلت السفارة لدى وزارة التربية والتعليم، تم إصدار أكثر من تعميم قبل أشهر، لكنها لم تكن تعميمات حاسمة، وربطت إجراءات جديدة بعدم الاعتراف بالشهادات المذكورة ابتداءً من العام المقبل، وليس العام الحالي، ما شجّع الطلاب على الاستمرار والتسجيل في هذه المدارس الليبية!
تضيف المصادر المذكورة أنّ كثيراً من الأهالي يراهنون على أنّ عدم الاعتراف بالشهادات الليبية هي تعليمات صادرة عن الوزير الحالي، وأنّ تغيير الحكومة ومجيء وزير جديد قد يلغي تلك القرارات، ما يسمح بالاعتراف بتلك الشهادات، أو حتى الدراسة بالجامعات التركية، إذا كانت تعترف بها!
يحدّثني أحد المطّلعين على هذا الملف، الذي أصبح أشبه بشبكة مافيات؛ بأنّ هناك سماسرة يعلمون الطرق الالتفافية جيداً، ويقومون بالتكسب والربح من خلال إرسال الطلاب إلى دول أخرى، حتى إنّ بعضهم ذهب خصيصاً إلى ماليزيا، وحصل على الشهادة من هناك، وهو يدرس اليوم في جامعةٍ أردنية. وليس بعيداً أن نقرأ غداً عن طلاب أردنيين مقبولين في جامعاتنا يحملون شهادات ثانوية من الصومال وسريلانكا وأفغانستان، طالما أنّنا نقبل شهادات ثانوية عامة من ليبيا.
المفارقة أنّ هناك مغتربين أردنيين حاولوا إقامة مدرسة أردنية في اسطنبول، لتدريس الثانوية العامة الأردنية، بمعايير أردنية، وتواصلوا مع وزارة التربية والتعليم، وبدأت المدرسة بالتدريس بالفعل، وطلبوا من الوزارة أن تشرف هي على إجراءات الشفافية وسلامة امتحان الثانوية العامة. لكن الإجراءات البيروقراطية حالت دون استكمال هذه الخطوة، التي كانت يمكن أن تؤدي إلى تدريس طلاب عرب آخرين، وليس فقط أردنيين، وضمن المعايير المطلوبة!
قصة تركيا لم تنفجر بعد، وهناك ملف من الواضح أنه يتدحرج ويكبر، فنحن لسنا أمام فضيحة واحدة، بل فضائح!