أمس، كان عيد الأم. مناسبة احتفى بها الجميع، مقدمين التهاني للأمهات، كل على طريقته.
ورسمياً، كانت قد بشرتنا دائرة الإفتاء بأن الاحتفال بعيد الأم ليس حراما! لكأنها تعيد التأكيد على الأبجديات، ولكأننا ما نزال ندور في دائرة مغلقة من الإجابات عن أسئلة طُرحت منذ مئات السنين، وأُشبعت نقاشا وحتى بحثاً!
الجميع أدلوا بدلوهم، وابتهلوا إلى الله أن يطيل أعمار أمهاتهم. لكن أحدا لم يسأل ماذا تريد الأمهات حقاً في هذا اليوم، وماذا يتمنّين. فبقيت الأماني عامة، لم ترتق إلى طموحات الأمهات وأحلامهن.
قلنا كل ما هو متاح من مباركات نظن أنها تريح بالهنّ. لكن الأمنيات لا تتحقق بالكلام، بل بتوفير واقع أفضل لهن ولأسرهن. فكيف لأمٍّ أن تفرح والتشريعات تظلمها وتميز ضدها حد جرح كرامتها أمام أطفالها خصوصاً؛ سواء وهي تسعى إلى تحصيل نفقتها ونفقة أسرتها من زوج ظالم، أو عندما تُحرَم من حضانة أطفالها بسبب قوانين أنتجها واقع ذكوري أسقط كل تشوهاته على التشريعات؟!
من قال إن الاحتفالات، مهما كانت مبهرجة ومهيبة، قادرة على زرع السعادة في قلب أمّ يتألم كل يوم على أولاد أتت بهن للدنيا، واجتهدت وتعبت وسهرت لتنشئتهم، لكن بعد كل ذلك، وحين ظنت أنها سترتاح، اصطدمت بواقع قاس على فلذات أكبادها؟! لا أظن أن ثمة أمنية عند كل الأمهات أكبر وأصدق من أن يضمنّ حاضرا مريحا لأولادهن، شباباً وشابات، ومستقبلا آمنا لهم.
ظروف المعيشة الصعبة، وارتفاع كل تكاليف الحياة، صارت اليوم عبئاً على كثير من أمهات يرأسن أسرهن، فيخضن معارك فعلية ليوفرن لأولادهن فرصة تعليم جيد. لاسيما أن الأسر التي يتقاسم مسؤوليتها أم وأب عاملان، تدفع لمدارس خاصة مبالغ طائلة تفوق كثيرا إمكاناتها المالية، لعلمها أن ترك طفلها ضحية لتعليم حكومي بائس لن يضمن له فرصة التعيين حتى في أدنى سلم الوظائف، كما تعلم أن 12 سنة على مقاعد الدراسة في مدرسة عامة، لن تحمي ابنها أو ابنتها من التخرج أميين قراءة وكتابة، أو جاهلين ضحلين معرفياً، لا يقدران على مواجهة تحديات الحياة بكل تجلياتها.
بعد ذلك، تبدأ معاناة أخرى، حين تضطر أمهات كثر إلى التعايش مع ألم يعتصرهن نتيجة جلوس أولادهن في المنزل، رغم أنهم باتوا في سن الإنتاج والعمل. فتجدهم بدلا من ذلك أسرى الإحباط وفقدان الأمل نتيجة سنوات التعطل! لا أعرف تماماً حجم ألم أمٍّ ترى أولادها الذين تعبت لأجلهم حبيسي التعطل والبطالة، عاجزين عن المضي في حياتهم، وإن طرقت هي والوالد ألف باب علهم يوفرون فرصة عمل لأولادهما.
وكثير من الأمهات بعد أن قدّمن كل ما بوسعهن، يصطدمن بأسئلة تحرجهن، من قبيل: “هل يجيد ولدك اللغة الإنجليزية؟”. لكن كيف سيفعل والمدرسة فشلت في ذلك؟! وسؤال “أين كان تدريبه الجامعي، وما هي مدته؟”؛ ومن أين لها أن تدري أن الجامعات التي دفعت لها مبالغ كبيرة، وفّرتها بحرمان نفسها من احتياجات بمرتبة الأساسيات، باتت لا تعطي أكثر من ورقة تشهد أن ولدها يحمل درجة البكالويوس؟! ولتدرك، إنما بعد فوات الأوان، أن ولدها ليس إلا ضحية لأنظمة تعليم أساسية وجامعية بائسة.
نحن نتمنى للأمهات طول العمر بسعادة وراحة بال. لكن آلاف الأمهات، لمئات الآلاف من الشباب العاطلين عن العمل، لن يفرحن بالعيد، كما لن يقدر أبناؤهن على زرع الأمل في قلوبهن، طالما هم فاقدون لذلك، وفاقد الفرح لا يعطيه.
نتمنى للأمهات المنتظرات على حواف الأمل أن تتحقق أحلامهن وآمالهن، علّ الحظ يبتسم لأغلى الناس على قلوبهن بفرصة، تؤهلهم للمضي في حياتهم.
سلام لكل الأمهات الصابرات. وكل عام وأمي، مصدر إلهامي، بألف خير وسلام.