عروبة الإخباري – يوم الكرامة يوم خالد في تاريخ قواتنا المسلحة الأردنية وفي الذاكرة الوطنية كصفحة من الصفحات المشرفة من تاريخنا المجيد، ومحطة من محطات العزم والإيمان، وأمثولة الجيش العربي في الصبر والكبرياء.
ففي الحادي والعشرين من آذار وقبل 48 عاما، شهدت أرض الرباط والمرابطين في غور الأردن- نهر الأردن المقدس- أعنف المعارك مع عدو متغطرس امتلك العدة والعتاد، واختال عليه صلفه وغروره، وذهبت به نشوة حزيران 67 ليمد جسوراً من الوهم والخيال، معتقداً أن اجتيازه نهر الأردن شرقاً سيكون مجرد نزهة،.. ففي فجر الحادي والعشرين من آذار زحفت جحافله بصمت بعد اعتداءات على طول جبهتنا الغربية لم تتوقف منذ حرب عام 1967، وهو يسعى لترجمة أطماعه وتنفيذ مخططاته وهو يحيط نفسه بهالة من العنجهية والغرور لفرض ما يراه ويريده من إرغام وتوسع.
وتتخلص أهداف إسرائيل من غزوها للأرض الأردنية بما يلي:
1- أراد العدو من المعركة تحطيم القيادة الأردنية وقواتها والثقة بنفسها، بعدما فوجئ بالوضع الذي نشأ نتيجة لحرب حزيران وهو رفض الأردن نتائج هذه الحرب، حيث بقي صامداً ثابتاً بحيويته ونشاطه وتصميمه على الكفاح من أجل إزالة آثار العدوان، وكانت القيادة الإسرائيلية تعتقد أن الجيش الأردني يعيش مشتتاً بعد حرب حزيران، فأخطأت التقدير لأن القيادة الأردنية عملت على إعادة التنظيم وبسرعة فائقة، واحتلت مواقع دفاعية جديدة على الضفة الشرقية لنهر الأردن، لتبقى روح القتال والتصميم على خوض المعركة في أعلى درجاتها وظهرت في صمود أردني رائع.
2. مع أن العدو أعلن أنه قام بالهجوم لتدمير قوة المقاومين العرب في بلدة الكرامة، إلا أن الهدف مغاير تماماً لهذا الإعلان، فالهدف كان احتلال المرتفعات الشرقية من المملكة (البلقاء)، والاقتراب من العاصمة عمان للضغط على القيادة الأردنية لقبول شروط الاستسلام التي تفرضها إسرائيل، والعمل على توسيع حدودها بضم أجزاء جديدة من الأردن إليه.
3. محاولة احتلال أرض أردنية شرقي النهر والتشبث بها بقصد المساومة عليها، وذلك نظراً للأهمية الاستراتيجية لهذه المرتفعات الأردنية ولزيادة العمق الاستراتيجي الإسرائيلي.
4. ضمان الأمن والهدوء على طول خط وقف إطلاق النار مع الأردن.
5. توجيه ضربات مؤثرة وقوية للقوات الأردنية التي كانت توفر الحماية والدعم والمساندة للمقاومين العرب.
6. زعزعة الروح المعنوية والصمود لدى الأردنيين القاطنين في منطقة الأغوار، من أجل نزوحهم من أراضيهم ومزارعهم ليشكلوا أعباء جديدة على الدولة، وحرمان المقاومة العربية من وجود قواعد لها بين السكان في المنطقة.
7. المحافظة على الروح المعنوية للجيش والشعب الإسرائيلي، بسبب عدم التجانس بين الغالبية العظمى منهم في التركيبة السكانية التي جاءت على شكل هجرات صهيونية إلى أرض فلسطين، والتخوف من إحاطة العرب بهم، فأراد العدو أن يقوم بهذه العملية لإزالة حالة الرعب السائدة بين قطاعات الجيش والشعب اليهودي.
8. أطماع إسرائيل بالمرتفعات الشرقية من الناحية العسكرية والاستراتيجية والاقتصادية، فمناطق الأغوار غنية بالمصادر المائية والزراعية وتشكل مصدراً اقتصادياً استراتيجيا مهماً بالنسبة للأردن.
وصف مكان المعركة
لموقع معركة الكرامة أهمية من الناحية الدينية، فهي تمثل أرض الرباط في سبيل الله ضمن منطقة بلاد الشام، امتثالا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم (بلاد الشام في الرباط إلى يوم القيامة)، بالإضافة لوجود العديد من المساجد وأضرحة الصحابة رضوان الله عليهم في منطقة الأغوار، مثل أبي عبيدة عامر بن الجراح وشرحبيل بن حسنة ومعاذ بن جبل وابنه سليمان.
أما أهمية هذه المنطقة الجغرافية والاستراتيجية، فإنها تشكل نقطة المركز في قلب الوطن العربي، فهي أشبه ببوابة تعبر منها الجيوش الذاهبة إلى فلسطين سواء أكانت هذه الجيوش قادمة من الشرق أم من الغرب، والشمال أم الجنوب، وقد كانت مسرحا لمعارك فاصلة في التاريخ الإسلامي، وبوابة للانتصارات التي حققت للأمة هيبتها وكرامتها ومكانتها ونشر رسالة الحق والعدل والإنسانية كمعركة حطين وعين جالوت.
ومنطقة غور الأردن منطقة منخفضة تقع بين سلسلتين جبليتين متناسقتين، هما سلسلة الجبال الغربية وسلسلة الجبال الشرقية، ويقال إنهما كانتا كتلة واحدة وفي العصر الجيولوجي الثالث حدثت حفرة الانهدام التي تشكل من جرائها غور الأردن.
ومنطقة الغور غنية بالمصادر الزراعية والمائية والأشجار، فتنتج الخضراوات والفواكه وهي مناطق رعوية جيدة، أما مصادرها المائية فتتمثل في نهر الأردن – بحيرة طبريا – البحر الميت وقناة الغور الشرقية، بالإضافة إلى العديد من العيون المائية والبرك والآبار، فالغور عصب الحياة الزراعية والاقتصادية بالنسبة للأردن.
يقع في الغور طريق عرضاني واحد يمتد من الحمة الأردنية وحتى العقبة، أما الطرق الواصلة بين المرتفعات الشرقية والغربية فهي الجسور (جسر الملك حسين، جسر الملك عبدالله، جسر الأمير محمد)، وتتميز المنطقة بشقيها الشرقي والغربي بصعوبة المواصلات ووعورة المسالك والارتفاعات الشاهقة ووجود الأشجار والمقاطع الصخرية المنحدرة، وهي منطقة استراتيجية حيث مكامن الأفراد ضد الآليات وإعاقة حركتها في حال أي تقدم من قوات العدو كما حدث في معركة الكرامة.
قوات الطرفين
1. القوات الإسرائيلية. نتيجة للمعلومات التي توفرت من مصادر الاستخبارات ومشاهدة أرض المعركة، فقد كانت القوات الإسرائيلية تقدر بفرقة مدرعة (+) مع أسلحتها المساندة إضافة إلى سلاح الجو وكما يلي: اللواء المدرع 7، اللواءالمدرع60، لواء المشاة الآلي80،كتيبة مظليين من لواء المظليين35، 5 كتائب مدفعية ميدان ومدفعية ثقيلة، أربعة أسراب طائرات مقاتلة (ميراج، مستير)، عدد من طائرات الهيلوكبتر القادرة على نقل كتيبتين دفعة واحدة، كتيبة هندسة مدرعة.
2. القوات الأردنية. فرقة المشاة الأولى وتدافع عن المنطقة الوسطى والجنوبية ابتداء من سيل الزرقاء شمالاً وحتى العقبة جنوباً، وكانت موزعة على النحو التالي: لواء حطين يحتل مواقع دفاعية على مقترب ناعور، لواء الأميرة عالية يحتل مواقع دفاعية على مقترب وادي شعيب، لواء القادسية يحتل مواقع دفاعية على مقترب العارضة، يساند لواء الأمير الحسن بن طلال المدرع 60، فرقة المشاة الأولى، حيث كانت إحدى كتائبه موزعة على الألوية وكتيبة بدور الاحتياط للجيش في منطقة طبربور، تساند الفرقة ثلاث كتائب مدفعية ميدان وسرية مدفعية ثقيلة، تساند الفرقة كتيبة هندسة ميدان.
مقتربات القتال
بدأت معركة الكرامة الخالدة عند الساعة (0530) من صباح يوم 21 آذار 1968، واستمرت ست عشرة ساعة في قتال مرير على طول الجبهة، ومن خلال مجرى الحوادث وتحليل العمليات القتالية، اتضح أن القوات الإسرائيلية المهاجمة بنت خطتها على ثلاثة مقتربات رئيسية ومقترب رابع تضليلي، لتشتيت جهد القوات المسلحة، وجميع هذه المقتربات تؤدي حسب طبيعة الأرض والطرق المعبدة إلى مرتفعات السلط وعمان والكرك، وكانت المقتربات كالتالي:
1. مقترب العارضة. من جسر الأمير محمد (داميا) إلى مثلث المصري إلى طريق العارضة الرئيسي إلى السلط.
2. مقترب وادي شعيب . من جسر الملك حسين (اللنبي سابقاً) إلى الشونة الجنوبية، إلى الطريق الرئيسي المحاذي لوادي شعيب ثم السلط.
3. مقترب سويمة. من جسر الأمير عبدالله إلى غور الرامة إلى ناعور ثم إلى عمان.
4. محور غور الصافي. من جنوب البحر الميت إلى غور الصافي وغور المزرعة إلى الطريق الرئيسي حتى الكرك.
وقد استخدم الإسرائيليون على كل مقترب من هذه المقتربات، مجموعات قتال مكونة من المشاة المنقولة بآليات نصف المجنزرة والدبابات، تساندهم على كل مقترب مدفعية الميدان والمدفعية الثقيلة ومع كل مجموعة أسلحتها المساندة المقاومة للدروع من مدافع 106ملم والهاون مع إسناد جوي كثيف على كافة المقتربات.
ونظراً لغرور الإسرائيليين وصلفهم، فقد قام الحاكم العسكري الإسرائيلي للضفة الغربية بدعوة رؤساء البلديات في الضفة إلى قيادته، وأبلغهم أنهم مدعوون لتناول طعام الغداء معه في عمان والسلط وما كان لهذا الهوس أن يقهر، لولا وقفة الجيش العربي في وجه تلك القوات المهاجمة، حيث قاتل رجاله بكل شجاعة وتضحية مستخدماً ما هو متاح له بأفضل السبل.
ونجد أن الهجوم الإسرائيلي قد خطط على أكثر من مقترب، وهذا يؤكد مدى الحاجة لهذه المقتربات لاستيعاب القوات المهاجمة، وبشكل يسمح بإيصال أكبر حجم من تلك القوات وعلى اختلاف أنواعها وتسليحها وطبيعتها إلى الضفة الشرقية، لإحداث خرق ناجح في أكثر من اتجاه يتم البناء عليه لاحقاً ودعمه للوصول إلى الهدف النهائي.
وكانت الغاية من اتساع جبهة المعركة وتعدد المقتربات تشتيت الجهد الدفاعي لمواقع الجيش العربي وتضليلها عن الهجوم الرئيسي، وهذا يؤكد أن القوات المتواجدة في المواقع الدفاعية كانت قوات منظمة أقامت دفاعها على سلسلة من الخطوط الدفاعية بدءاً من النهر وحتى عمق المنطقة الدفاعية، الأمر الذي لن يجعل اختراقها سهلاً أمام المهاجم، كما كان يتصور، لاسيما وأن المعركة قد جاءت مباشرة بعد حرب عام 1967.
جيشنا العربي ومعركة النصر والثبات
لقد لعب سلاحا المدفعية والدروع الملكي وقناصو الدروع دوراً كبيراً في معركة الكرامة، وعلى طول الجبهة وخاصة في السيطرة على جسور العبور، ما منع الجيش الإسرائيلي من دفع أية قوات جديدة لإسناد هجومه الذي بدأه، وذلك نظراً لعدم قدرته على السيطرة على الجسور خلال ساعات المعركة، وقد أدى ذلك إلى فقدان القوات الإسرائيلية المهاجمة لعنصر المفاجأة، وبالتالي المبادرة، وساهم بشكل كبير في تخفيف زخم الهجوم وعزل القوات المهاجمة شرقي النهر وبشكل سهل التعامل معها واستيعابها وتدميرها، وقد استمر دور سلاح الدروع والمدفعية الملكي وجميع الأسلحة المشاركة وعناصر المشاة بشكل حاسم طيلة المعركة من خلال حرمان الإسرائيليين من التجسير، أو محاولة إعادة البناء على الجسور القديمة، وحتى نهاية المعركة، وهذا يؤكد أن معركة الكرامة قد خاضها الجيش العربي وهو واثق من نفسه، وأن الجهد الذي بذل خلالها ما كان جهداً ارتجالياً بل كان جهداً دفاعياً شرساً ومخططاً بتركيز على أهم نقاط التقتيل للقوات المهاجمة لكسر حدة زخمها وإبطاء سرعة هجومها.
توقيت بدء معركة الجيش العربي
بدأ الجيش العربي قتاله في معركة الكرامة منذ اندلاع شرارتها الأولى وتقدم القوات المهاجمة، حيث يقول اللواء مشهور حديثة: “في الساعة (0520) أبلغني الركن المناوب أن العدو يحاول اجتياز جسر الملك حسين، فأبلغته أن يصدر الأمر بفتح النار المدمرة على حشود العدو” … لذلك كسب الجيش العربي مفاجأة النار عند بدء الهجوم على القوات الإسرائيلية، ولو تأخر في ذلك لأتاح للقوات المهاجمة الوصول إلى أهدافها بالنظر إلى قصر مقتربات الهجوم التي تقود وبسرعة إلى أهداف حاسمة وهامة ( مركز الثقل ) في ظل حجم القوات التي تم دفعها وطبيعتها، وسرعة وزخم هجومها بالإضافة إلى سهولة الحركة فوق الجسور القائمة.
لقد استطاعت القوات الأردنية وخاصة سلاح المدفعية، حرمان القوات الإسرائيلية من حرية العبور حسب المقتربات المخصصة لها … ودليل ذلك أن القوات الإسرائيلية التي تكاملت شرقي النهر كانت بحجم فرقة، وهي القوات التي عبرت في الساعة الأولى من الهجوم، وبعدها لم تتمكن القوات المهاجمة من زج أية قوات جديدة شرقي النهر، بالرغم من محاولتهم المستميتة للبناء على الجسور التي دمرت، ومحاولة بناء جسور حديدية لإدامة زخم الهجوم والمحافظة على زمام المبادرة، مما أربك المهاجمين وزاد من حيرتهم وخاصة في ظل شراسة المواقع الدفاعية ومقاومتها الشديدة.
طلب وقف إطلاق النار
لقد لجأت إسرائيل إلى طلب وقف إطلاق النار في الساعة الحادية عشرة والنصف من يوم المعركة، وهذا دليل كبير على أن القوات التي واجهتهم في المواقع الدفاعية من الجيش العربي كانت بحجم التحدي، وكانت المعركة بالنسبة لهم معركة وجود ومعركة حياة أو موت هذا على الصعيد العسكري، أما على الصعيد السياسي فقد أصر الأردن على لسان جلالة المغفور له الملك الحسين طيب الله ثراه على (عدم وقف إطلاق النار طالما أن هناك جندياً إسرائيلياً واحداً شرقي النهر)، وهذا يثبت وبدون أدنى شك، أن معركة الكرامة كانت معركة الجيش العربي منذ اللحظة الأولى، حيث كانت قيادته العليا تديرها وتتابع مجرياتها لحظة بلحظة، وأن عدم قبول جلالة الملك قرار وقف إطلاق النار الذي طلبه الإسرائيليون بعد خمس ساعات من بدء المعركة دليلٌ على امتلاك ناصية الأمر والسيطرة على المعركة والتحكم بمجرياتها.
حينما طلبت إسرائيل وقف اطلاق النار بعد خمس ساعات من بدء المعركة، كانت ترى رأي العين شراسة المواقع الدفاعية للجيش العربي، الذي خطط معركته كاملة على أساس تقييم قدرات العدو المقابلة له، وحينما رفض الأردن وقف اطلاق النار كان في معمعة المعركة منذ انطلاق شرارتها الأولى، ويعلم تمام العلم كيف تسير لحظة بلحظة وكيف أن قواته تسيطر عليها بحزم، وأن قيادته العليا كانت ترى النصر المؤزر قريباً ويحتاج إلى الصبر ساعة، خاصة عندما أجهضت هذه القيادة وفوتت الفرصة على الإسرائيليين برفضها لوقف إطلاق النار، حيث أنها كانت ترى بثاقب بصيرتها وحنكتها ما يخطط له الإسرائيليون، في محاولة منهم لوقف القتال دون الوصول إلى النتائج الحتمية التي أصبحوا يعلمونها ويرونها رأي العين، من أن النصر في هذه المعركة قد فاتهم وأنه أصبح دون أدنى شك في يد الجيش العربي.. وعلى المدى الأبعد، فإن بصيرة القيادة الثاقبة وحنكتها أيضاً تؤكد منذ البداية أن موضوع السيادة كان محسوماً على الأرض الأردنية، إذ لا يمكن لإسرائيل أن تطلب وقف إطلاق النار إلا من جهة مقابلة ذات سيادة ولها قرار سيادي وسياسي يقرر على أرض الواقع سير المعركة.
الإنزال الإسرائيلي في بلدة الكرامة ومعركة السلاح الأبيض
إن عملية الإنزال التي قامت بها القوات الإسرائيلية شرقي بلدة الكرامة، كانت الغاية منها تخفيف الضغط على قواتها التي عبرت شرقي النهر، بالإضافة لتدمير بلدة الكرامة، خاصة عندما لم تتمكن من زج أي قوات جديدة عبر الجسور، نظراً لتدميرها من قبل سلاح المدفعية الملكي، وهذا دليل قاطع على أن الخطط الدفاعية التي خاضت قوات الجيش العربي معركتها الدفاعية من خلالها كانت محكمة، وساهم في نجاحها الإسناد المدفعي الكثيف والدقيق، إلى جانب صمود الجنود في المواقع الدفاعية، وفي عمقها كانت عملية الإنزال شرق بلدة الكرامة عملية محدودة، حيث كان قسم من الفدائيين يعملون فيها كقاعدة انطلاق للعمل الفدائي أحياناً بناءً على رغبة القيادة الأردنية.. وبالفعل قام الإسرائيليون بتدمير بلدة الكرامة بعد أن اشتبكوا مع القوات الأردنية والمقاتلين من الفدائيين الموجودين هناك.
نتائج المعركة
مع انتهاء أحداث المعركة، كان العدو قد فشل تماماً في عملياته العسكرية، دون أن يحقق أياً من الأهداف التي شرع بهذه العمليات من أجلها وعلى جميع المقتربات والمحاور، وعاد يجر أذيال الخيبة والفشل، فتحطمت الأهداف المرجوة من وراء المعركة أمام صخرة الصمود الأردني، ليثبت للعدو من جديد بأنه قادر على مواصلة المعركة تلو الأخرى، وعلى تحطيم محاولات العدو المستمرة للنيل من الأردن وصموده، وأثبت الجندي الأردني أن روح القتال لديه نابعة من التصميم على خوض معارك البطولة والشرف والإقدام والتضحية.
وفي كلمته التاريخية قال المغفور له جلالة الملك حسين بن طلال – طيب الله ثراه- في اليوم التالي للمعركة:” وإذا كان لي أن أشير إلى شيء من الدروس المستفادة من هذه المعركة يا إخوتي، فإن الصلف والغرور يؤديان إلى الهزيمة، وإن الإيمان بالله والتصميم على الثبات مهما كانت التضحية هما الطريق الأول إلى النصر، وإن الاعتماد على النفس أولاً وأخيراً ووضوح الغاية ونبل الهدف هي التي منحتنا الراحة حين نقرر أننا ثابتون صامدون حتى الموت، مصممون على ذلك، لا نتزحزح ولا نتراجع مهما كانت التحديات والصعاب”.
وفشل العدو في مخططاته التي عرفت من الوثائق التي كانت لدى القادة الإسرائيليين وتركت في ساحة القتال، وهي احتلال المرتفعات الشرقية ودعوة الصحفيين لتناول طعام الغداء في عمان.
كما جسدت هذه المعركة أهمية الإرادة لدى الجندي العربي، والتي كانت متقنة وذات كفاءة عالية، وساهمت بشكل فعال في حسم ونجاح المعركة، كما أبرزت أهمية الإعداد المعنوي حيث كان هذا الإعداد على أكمل وجه، فمعنويات الجيش العربي كانت مرتفعة حيث ترقبوا يوم الثأر والانتقام من عدوهم وانتظروا ساعة الصفر بفارغ الصبر للرد على الظلم والاستبداد.
وأبرزت المعركة حسن التخطيط والتحضير والتنفيذ الجيد لدى الجيش العربي، مثلما أبرزت أهمية الاستخبارات، إذ لم ينجح العدو بتحقيق عنصر المفاجأة نظراً لقوة الاستخبارات العسكرية الأردنية والتي كانت تراقب الموقف عن كثب وتبعث بالتقارير لذوي الاختصاص، حيث تمحص وتحلل النتائج فتنبأت بخبر العدوان من قبل إسرائيل مما أعطى فرصة للتجهيز والوقوف في وجهها.
خسائر الطرفين
قواتنا الباسلة: 86 شهيداً و 108 جرحى، تدمير 13 دبابة و 39 آلية مختلفة.
القوات الإسرائيلية: 250 قتيلاً و450 جريحاً، وتم تدمير 88 آلية مختلفة شملت 47 دبابة و18 ناقلة و24 سيارة مسلحة
و 19 سيارة شحن وإسقاط 7 طائرات مقاتلة.
قالوا في المعركة
– ” اتضح أمران في أعقاب الهجوم الإسرائيلي على الكرامة، أولهما أن الإسرائيليين أخطأوا في حساباتهم خطئاً فادحاً، إذ أنهم واجهوا مقاومة أعنف مما كانوا يتوقعون، والثاني أن هجومهم على الكرامة لم يحقق شيئاً”. (الديلي تلغراف)
– ” لقد قاوم الجيش الأردني المعتدين بضراوة وتصميم، وإن نتائج المعركة جعلت الملك حسين بطل العالم العربي”.( نيوز ويك الأميركية).
– ” أما معركة الكرامة فقد كانت فريدة من نوعها بسبب كثرة عدد الإصابات بين قواتنا.. فقدت إسرائيل في هجومها الأخير على الأردن آليات عسكرية تعادل ثلاثة أضعاف ما فقدته في حرب حزيران”. ( حاييم بارلييف / رئيس الأركان الإسرائيلي الأسبق).
– ” لا يساورنا الشك حول عدد الضحايا بين جنودنا… لقد برهنت العملية من جديد أن حرب الأيام الستة لم تحقق شيئاً ولم تحل النزاع العربي الإسرائيلي”. (عضو الكنيست الإسرائيلي شلومو جروسك).
– ” لقد شاهدت قصفاً شديداً عدة مرات في حياتي، لكنني لم أر شيئاً كهذا من قبل، لقد أصيبت معظم دباباتي”. (المقدم أهارون بيلد -قائد إحدى المجموعات الإسرائيلية في معركة الكرامة).
– ” لقد شكلت معركة الكرامة نقطة تحول في تاريخ العسكرية العربية”. (المارشال جريشكو رئيس أركان القوات المسلحة السوفييتية).
– “إن التقارير من الشرق الأوسط تؤكد أن الأردن أحرز نصراً يستند إلى أسس متينة”. (المستر جون بورينته / المراسل الخاص لوكالة اليونايتد برس)
– “لقد أثبت الأردن جيشاً وشعباً وحكاماً أنه رغم صغره وضآلة موارده وافتقاره إلى الكثير من الأسلحة الضرورية اللازمة، أثبت أنه قلعة صمود وبرج تضحية، وأنه كما قال مليكه.. مستعد للموت على أرضه”.