رفع المبعوث الأممي المكلف بالملف السوري ستيفان دي ميستورا جلسات المداولات في جنيف بين طرفي النزاع السوري إلى الأسبوع المقبل.
لم تحقق جولة المفاوضات الأخيرة اختراقا جوهريا. لكنها، في المقابل، لم تسجل انتكاسة. نتائج المداولات جاءت ضمن سقف التوقعات المتواضعة أصلا.
التطور الإيجابي هو الاتفاق على موعد اللقاء المقبل قبل انفضاض جولة المفاوضات. مثل هذا الأمر الإجرائي كان متعذرا في وقت سابق.
لم يشأ أحد على طرفي الأزمة أن يقر علانية، لكن تأثير القرار الروسي بالانسحاب “الجزئي” من أرض المعركة كان حاسما لجهة امتثال الطرفين لقواعد العملية السياسية كخيار لا بديل له لتسوية الأزمة.
وفد النظام السوري بدا مكابرا، لا يريد أن يعترف أنه بات تحت ضغط الموقف الروسي الحاسم. فيما وفد المعارضة حاول إظهار ثقة زائدة بالنفس لا فضل للروس فيها.
وساهم إعلان كرد سورية، ومن طرف واحد، تبني النظام الفيدرالي في المناطق الكردية، في إدراك الطرفين لحجم المخاطر التي تنتظر سورية في حال استمر الصراع من دون حل سياسي. وكان لافتا بحق اتفاق الطرفين، وللمرة الأولى، على موقف مشترك حيال شأن استراتيجي يخص مستقبل سورية.
لكن يبقى الموقف الروسي وما يقال عن تفاهم أميركي روسي مشترك، هو العنصر الحاسم في المرحلة المقبلة. وإذا كان التدخل العسكري الروسي قد أنهى آمال المعارضة السوري بإمكانية إسقاط النظام السوري، فإن قرار بوتين المفاجئ بالانسحاب، جعل الحل السياسي الخيار الوحيد المتاح أمام النظام، مبددا بذلك أوهام الحسم العسكري التي سادت بعد عاصفة “السوخوي”.
ليس ممكنا، بالطبع، توقع المسار المقبل لمفاوضات جنيف. ثمة عقبات كبرى ما تزال جاثمة في طريق الحل السياسي، ومواقف الطرفين ما تزال متباعدة. لكن اللاعبين الكبيرين؛ موسكو وواشنطن، لم يتركا خيارا للمتحاربين غير المفاوضات.
في الجولة المقبلة، ربما يتمكن الوسطاء من تقريب وجهات نظر الطرفين للاتفاق على جدول أعمال للمفاوضات. هذه خطوة مهمة وأساسية، سيترتب عليها الكثير من الخطوات في المستقبل.
أما العامل الحسم في تقدير فرص النجاح أو الفشل، فهو مدى الالتزام بقرار وقف إطلاق النار. حتى الآن، هناك قدر عال من الالتزام يفوق توقعات الجميع. ومع مرور الوقت من دون وقوع اختراقات كبرى، يصبح من الصعب على أي طرف المغامرة بكسر الهدنة وتحمل نتائج هكذا خطوة. وحتى على المستوى الشعبي في سورية، فإن ملايين السوريين الذين تنفسوا الهدوء لأول مرة سيواجهون في الميدان كل من يحاول إعادتهم إلى زمن البنادق والخنادق.
ليس ثمة شيء مؤكد بعد. لكن الدلائل المتوفرة حاليا تشير إلى أننا نقترب من نقطة التحول في سورية؛ لحظة كانت حتى أسابيع قليلة بعيدة جدا، بل ومستحيلة، لكن القرار الروسي قلب كل التوقعات، وأحيا الآمال بقرب نهاية الأزمة الدامية في سورية.
هل بات الحل وشيكا؟ ربما. لكننا لا نعلم بعد شكل سورية عقب عملية جنيف.