قبل نحو عام ونصف العام، وتحديدا في منتصف العام 2014، احتفلنا ببدء العمل على إنشاء مصنع للألبسة، هللنا وطبلنا له باعتبار أن هذا المشروع الأمل سيوفر 1000 فرصة عمل لسيدات الطفيلة. مع أنني لا أعلم لم هي فرص للسيدات فقط؛ هل أن السبب هو اعتقاد بأن هكذا عمل معيب للرجال؟ وذلك رغم المبرر الرسمي الجاهز المتمثل في ارتفاع نسب البطالة بين نساء المنطقة؛ علماً أن غالبيتهن متعلمات، وكثير منهن يحملن الدرجة الجامعية الأولى، لكن محدودية الفرص تضطرهن للعمل في مثل هذه المنشآت التي بالكاد تلتزم بالحد الأدنى للأجور.
وزير العمل د. نضال القطامين رعى الاحتفال آنذاك، وأتحفنا بكلام كبير عن توظيف الصبايا، كأحد مداخل حل مشاكل بلدة بصيرا تحديداً، والتي يعرف الوزير أكثر من غيره، كونه من أبناء المدينة، حجم معاناتها، بما أهّلها لأن تكون مصنفة رسمياً كأحد أفقر جيوب الفقر في المملكة.
كان يفترض أن يبدأ المصنع عمله في تشرين الأول (أكتوبر) من العام الماضي، وهو ما لم يتحقق؛ لسبب أو لآخر. وهذه ليست الحالة الأولى والوحيدة التي تجسد ما يعترض الاستثمار في الأردن ككل، وليس في الطفيلة وحدها؛ إذ ثمة نماذج كثيرة متكررة، قد تختلف في الشكل لكنها تدلل جميعاً على علة واحدة، هي فشل الحكومة الحالية في دعم الاستثمار؛ بإنشاء الجديد منه كما الإبقاء على مشاريعه القائمة فعلاً.
لكن خبر بصيرا السعيد لم يدم طويلا. فقبل أيام فقط، تم الإعلان عن وقف العمل على إنشاء المصنع؛ بشكل مفاجئ للمجتمع الذي تنامت آماله إلى سقوف عالية قبل عام ونصف العام، ولتصطدم الآن بحقيقة مُرّة، هي أن المصنع لن يخرج إلى الوجود، ولن يوظف بالتالي أياً من الصبايا الساعيات إلى حياة أفضل.
المصنع بدأ بفكرة أن تكون أبنيته حجرية، ثم تحول إلى الاستعاضة عن ذلك بإنشاء عنابر معدنية، ربما لضبط الكلف، أو لعدم ضمان استمرار المشروع. لكنه رغم ذلك لم يكتمل أصلاً. وكل ما يراه سكان بصيرا ليس أكثر من حفر حولها أكوام من التراب!
المبررات الذي تُقدم اليوم لتوقف العمل بإنشاء المصنع، بغض النظر عن مدى منطقيتها وإقناعها، تتعلق بعدم منح مالك المشروع موافقة على نقل آليات من مصنعه في إحدى المناطق الصناعية المؤهلة بمدينة إربد، أو عدم منحه الإعفاءات التي يتمتع بها مصنعه في الشمال. مع العلم أن القانون واضح في هذا الشأن؛ فالحوافز والإعفاءات تقتصر على المصانع التي تُقام في المناطق المؤهلة.
بالعودة إلى صبايا بصيرا ونسائها المهمّشات، فمؤكد أنهن لم يكنّ بحاجة لسبب جديد للإحباط وفقدان الأمل، فهن كما يقول المثل الشعبي “رضين بالهمّ والهم ما رضي بهن”. ولا أشك أن الجيل الجديد منهن -كما أهاليهن المنتمين لأجيال سابقة- سيتحدث عن إخفاق الحكومات في تنفيذ وعودها. وأغلب الظن أن مظلومية سكان الأطراف، كما المحافظات، باتت واضحة لهن، يدركن معناها بشكل دقيق، بـ”فضل” تقصير الحكومات!
تأخر إنجاز مصنع بصيرا، أو إلغاء الفكرة من أساسها، مسألة ذات أبعاد تفوق، مثلاً، توقف العمل على أبراج الدوار السادس لسنوات. لماذا؟ لأن الإحباط خارج عمان، لاسيما في الأطراف، يكبر لدى سكان هذه المناطق، البعيدين عن أعين المسؤولين. وليس من داع لتكرار المعروف عن مخاطر ذلك؛ اجتماعياً وأمنياً وسياسياً، على مستوى المملكة ككل.
هكذا، يكون أكثر من بدهي القول بعدم جواز التفريط بمصنع بصيرا. بل الخيار الوحيد هو إزالة كل المعيقات التي تعترض طريقه، ليقام سريعاً، لاسيما أن الوقت يمضي وصبايا بصيرا، ومعهن أسرهن ككل، بلا أمل بغد أفضل.
كان هناك ألف صبية سيعملن في المصنع، وقد بدأن فعلاً ينسجن آلاف الأمنيات والأحلام الصغيرة والكبيرة. لكنهن اليوم لا يدرين ما إذا كان سيتحقق أي منها، أم أنها ستذهب جميعها أدراج الريح؟!