عروبة الإخباري- تقول خلود مصالحة صحافية فلسطينية من أراضي 48 إنها تقدمت بطلب للعمل في صحيفة إسرائيلية مركزية ولاحقا تم إبلاغها بعدم إمكانية تشغيلها رغم إجادتها اللغة العبرية وتجربتها الغنية بالعمل الصحافي. ولم تخف الصحيفة سبب رفض طلبها بالقول إنها مهنية لكنها عربية ولن تتمكن من مقابلة يهود كحاخام صفد مثلا كونه يرفض التحدث مع عرب.
وتكشف دراسة إسرائيلية أن حادثة خلود ليست يتيمة بل مرآة تعكس واقع تمييز الإعلام الإسرائيلي الذي يكاد يخلو من الصحافيين العرب، مما يعني فقدان صوتهم رغم أنهم يشكّلون 17٪ من مجمل السكان ناهيك عن فقدانهم من مجمل مضامينها أو شيطنتهم أحيانا بما تنشره.
وترى مصالحة وهي مركزة مشاريع في مركز «إعلام» المختص بالاحتياجات الإعلامية لفلسطينيي الداخل أن نتائج الدراسة لم تفاجئها. وتقول لـ «القدس العربي» إن أبحاثا سابقة أجراها مركز «إعلام» استنتجت أن الحل يكمن بتشغيل صحافيين عرب في وسائل الإعلام الإسرائيلية بغية الحد من صناعة الأفكار المشوهة عن العرب والبدء بنشر تغطيات نزيهة ومهنية. ويقول الصحافي الإسرائيلي أورن فارسيكو إن الهدف من الدراسة لا يقتصر على النقد فحسب بل التأثير نحو تغيير الواقع المذكور. فارسيكو المحرر في موقع «العين السابعة» الذي يعنى بنقد الإعلام وشارك في الدراسة، يكشف أن موقعه سيقوم برصد التغطيات الإسرائيلية ونسبة العرب فيها ونشرها أسبوعيا على أمل التغيير. وتوضح الدراسة الصادرة عن مركز «سيكوي» لمساواة الفرص بين العرب واليهود أن تغطية الصحافة لمواضيع تتعلق بفلسطينيي الداخل مختلة وتعكس صورة نمطية وأحادية فيها العربي إما «مخرب» وإما محترف في إعداد الطعام الشرقي كالحمص الذي يشتهيه الإسرائيليون.
وسائل الإعلام الإسرائيلية التي تؤثر جدا بصياغة وعي الإسرائيليين تمتنع عادة عن تشغيل صحافيين عرب وفقا للدراسة. وحتى قنوات التلفاز والصحف الكبرى التي تشغل صحافيين عربا يتم حصرهم بشكل عام في مجالات تغطية خاصة بفلسطينيي الداخل ويمنعون بتغطية قضايا أخرى. وتظهر الدراسة أن نسبة المواطنين العرب (17٪ من السكان) الذين تتم مقابلتهم في الصحافة الإسرائيلية تبلغ 2.2٪ فقط.
كما تظهر أن 10٪ فقط من هذه المقابلات كانت مع خبراء عرب دون علاقة لانتمائهم القومي. ويؤكد القائمون على الدراسة التي فحصت التغطية في شهري يناير/ كانون الثاني وفبراير/ شباط الماضيين أنها تهدف للكشف عن عمليات إقصاء العرب من شاشات التلفزة والإنترنت ومن موجات الأثير، وشرح تأثيرات ذلك على تغطية الفلسطينيين في إسرائيل وعلى الرأي العام فيها حيال قضاياهم وصورتهم.
وفي الواقع تعكس الدراسة الجديدة معطيات قديمة إذ سبقتها دراسات مشابهة بالماضي كشفت عن هذا الخلل بالإعلام الإسرائيلي منها دراسة البروفسور غادي فولفسفيلد والدكتور عصام أبو ريا عام 2000. وقتها أظهرا في دراستهما أن العناوين ذات الصلة بالمواطنين العرب لا تتعدى في مجمل الصحافة الإسرائيلية بالمعدل الـ 2٪ فقط وتبين أن التغطية بالإنترنت تبلغ 3٪ أما في قنوات التلفاز والإذاعة فتبلغ 0.6٪. ولكن بخلاف الدراسات السابقة فإن الدراسة الحالية لم تكتف بعينات نموذجية بل راجعت كافة المقابلات الصحافية على أنواعها في إسرائيل خلال أول شهرين في 2016 وقد شملت ثلاث قنوات تلفزيونية مركزية والإذاعتين الرئيسيتين.
ورصدت الدراسة 28 ألف مقابلة في الشهرين المذكورين 630 مقابلة فقط (2.2٪) تمت مع مواطن عربي، وأن ثلث هذه المقابلات جرت مع النواب العرب بالكنيست. أما نسبة الذين تمت مقابلتهم من العرب حول مواضيع اجتماعية أو ضمن تخصصاتهم فهي قليلة جدا (9٪) والبقية هم إما من النواب أو لحقيقة كونهم عربا. وترجح الصحافية والباحثة في الإعلام عنات ساراجوستي أن ذلك لا ينبع فقط من إقصاء متعمد بل من حقيقة كون الصحافيين يهودا وهؤلاء يحتاطون عادة على أرقام هواتف أشخاص يعرفونهم ومن بيئتهم. بيد أنها تقر بدور التوتر الأمني المتدهور بين الفلسطينيين والإسرائيليين وبتأثير العنصرية المتفشية والكراهية في الشارع الإسرائيلي التي تقف خلف إقصاء العرب من مرافق اقتصادية وسياسية كثيرة.
وتعتقد أن تشغيل صحافيين عرب في الصحافة الإسرائيلية سيحسن صورة وحالة فلسطينيي الداخل فيها من ناحية الكم والكيف. وتتفق ساراجوستي مع أحد القائمين على الدراسة عيدان رينج بقولها إن «خطيئة الصحافة الإسرائيلية تتجلى هنا لأن الأوضاع السياسية القاسية اليوم تقتضي أن تلعب دورا إيجابيا ومنح كافة الشرائح الاجتماعية منبرا متساويا». ويشدد رينج على أن وسائل الإعلام الإسرائيلية بطمس الصوت العربي بتغطياتها تقوم ببناء جدران عالية بين اليهود والعرب. ويحذر من استمرار طمس الإعلام الإسرائيلي للمواطنين العرب وكأنهم ليسوا موجودين، وبذلك تشوه الواقع وترسم صورة سلبية لهم. ويوضح رينج أن العربي في الإعلام الإسرائيلي يظهر غالبا كغريب ومهدّد للأمن وللهيمنة اليهودية ولا يظهر كخبير أو طبيب أو فلكي يتحدث عن مواضيع حيادية ومدنية كالتربية والثقافة والصحة والرفاه وغيرها. ويتفق مع ساراجوستي بأن مكان المقابلة التلفزيونية مع العربي مهمة، وينوه أنه بخلفيتها يظهر العربي عادة في الشارع و بالسوق ما يساهم بتكريس الفكرة المسبقة عن مجتمع فقير ومتخلف.(القدس العربي)