صدر مؤخرا عن دار الأهلية في عمّان، وبدعم من وزارة الثقافة، كتاب “الإرهاب العالمي والتطرف: صراع الظواهر وتقارب المسلمات في ظل العولمة”، للدكتور سعود الشرفات. وكان قد صدر للمؤلف من قبل كتاب “الإرهاب والعولمة” (2012)، قدمت له عرضا في حينه في “الغد”. ويواصل الشرفات في هذا الكتاب بحث العلاقة بين الإرهاب والعولمة (بالنظر إلى أن الإرهاب ثمرة متعفنة للعولمة) في ضوء الأحداث والمستجدات التي ظهرت في السنوات الخمس الأخيرة.
سادت فكرة في ذروة “الربيع العربي” عن نهاية الإرهاب والاستبداد. وكنت مؤيدا لهذه الفكرة. وظل الشرفات يجادل في أن الإرهاب متصل بديناميات العولمة، ولا علاقة له؛ تطورا أو انحسارا، بالربيع العربي. واليوم، لم يعد من مجال للجدال بين المقولتين؛ فقد عاد الإرهاب والاستبداد في هجمة مرتدة لعلها الأسوأ في التاريخ الحديث، وتحولا إلى صراعات وحروب أهلية عصفت بدول ومجتمعات، وشردت ملايين البشر.
برغم قدم ظاهرة وحالات التطرف والإرهاب والكراهية، فإنها اليوم، ومنذ التسعينيات، صارت مرتبطة بالدين، وكانت قبل ذلك لا علاقة لها بالدين. وفي صعودهما معا؛ الدين والعولمة في موجتها الأخيرة (ذلك أن العولمة ليست ظاهرة حديثة)، تشكلت تفاعلات وظواهر أخرى جديدة. فالدين يمنح دوافع إضافية وصلابة وتماسكا للأفكار والمواقف والجماعات، ويطيل عمرها وربما يخلّدها! لكن الأكثر خطورة في العولمة والدين كحالتين مستقلتين أو متفاعلتين، أنهما يغيران أيضا في قواعد الصراع واتجاهات الحروب على نحو يوجب البحث عن نظريات وأفكار جديدة للفهم، أو تطوير ومراجعة الأفكار والنظريات السائدة.
لا يمكن، بالطبع، أن نواجه التطرف والإرهاب والكراهية من غير فهمها؛ ولا يمكن فهمها من غير الاقتراب منها؛ ولا يمكن الاقتراب منها من غير استيعابها والتفاعل معها إيجابيا، بما في ذلك من آثار وتغييرات محتملة على الأطراف الفاعلة والمشاركة في المواجهة والتعاون والصراع. ويمكن الاستدلال بأمثلة كثيرة وواقعية اليوم؛ كيف اتجهت السلطات السياسية والمجتمعات والأفراد إلى التدين وتطبيق الدين على نحو غير مسبوق في التاريخ الإسلامي، وكأن الصراع مع المتطرفين تحول إلى صراع على الدين نفسه، ثم إلى تنافس في تطبيق الدين. يجب أن تلاحظ السلطات والمؤسسات والمجتمعات في مواجهتها وتفاعلها مع التطرف، إلى أين تمضي وأين تقف، وأين يجب أن تتوقف!
ومن ظواهر الإرهاب المتعولم اليوم، والتي يلفت الشرفات الاهتمام إليها، أن الدول الغربية تصدّر الإرهابيين إلى العالم الإسلامي! صحيح أنهم مسلمون، ولكنهم يحملون الجنسية والمواطنة لدول غربية. وهذا يؤشر (يجب أن يؤشر) إلى أزمة هذه الدول والمجتمعات نفسها في استيعابها وإدارتها للعولمة ومتطلباتها.
وفي تفاعل الإرهاب مع العولمة، تشكلت ظواهر وحالات جديدة تحتاج إلى دراسة أكثر عمقا وجدية. فقد أبدى المتطرفون استجابات وتفاعلات مع تكنولوجيا المعلوماتية والشبكية، بمستوى من الحيوية والإدراك يتفوق على معظم المكونات الأخرى في الدول والمجتمعات، وصارت الشبكة مسرحا آمنا للتجنيد والدعوة والتأثير والتدريب والتواصل والعمل والتنظيم… كما أنها تكنولوجياً ارتقت بقدرات الفرد ليشكل وحده جماعة إرهابية نشطة وفاعلة (الذئب المتوحد).
د. سعود الشرفات ينتقل بفهم ظاهرة الإرهاب والتطرف من الحملات الدعائية والإعلامية، إلى الفهم العلمي. وربما يكون كتابه الوحيد أو هو كتاب نادر في الإنتاج الفكري العربي في موضوع الإرهاب، بالنظر إليه موضوعا للبحث العلمي المنهجي، وليس سجالا اجتماعيا أو حشدا عاطفيا. ومن ثم، ربما لا يكون الكتاب -شأن أي كتاب علمي- مسليا، لكن لشديد الأسف فإن التسلية لا تمنحنا الفهم الصحيح، ولا تساعد متخذي ومصممي القرارات والسياسات.