ينتقل الروائي الجزائري المعروف واسيني الأعرج -في روايته الصادرة هذا العام عن “دار الآداب”، بعنوان “2084 حكاية العربي الأخير”- من اللحظة الراهنة، بكل ما فيها من معطيات مرعبة ومقلقة حول ما آلت إليه الشعوب والمجتمعات العربية، بعد العام 2011، إلى المستقبل؛ ليقفز قرابة سبعة عقود إلى الأمام، متحدّثاً عن مستقبل المنطقة العربية، في ضوء سيناريو الانهيارات السياسية والمجتمعية والأخلاقية التي تحدث حالياً.
مكان الرواية “قلعة أميروبا”، في منطقة الربع الخالي بين البحر الأحمر ومضيق هرمز. وبطل الرواية هو عالم الفيزياء، من أصول عربية، آدم (الإشارات أنّ جذوره مغاربية)، الذي يعمل على تصنيع قنبلة نووية صغيرة، ذات أثر مركز مضبوط جغرافياً وعلمياً، في مختبر جامعة بنسلفانيا، لمواجهة خطر الإرهاب الذي أصبح متعاظماً وكبيراً، فلم تعد تنفع معه الأسلحة التقليدية.
قصة الرواية تقوم على وجود محاولة اغتيال كان قد تعرّض لها آدم، لكن الشرطة الفيدرالية الأميركية تنقذه في اللحظات الأخيرة، في مطار فرنسا، ممن أرادوا اختطافه أو قتله، وهي جهة ليست محددة تماماً؛ إما أن تكون تابعة للتنظيم الإرهابي أو جهاز مخابرات إسرائيل (من دون ذكر ذلك صراحة) المتخصص بقتل كل العلماء الفيزيائيين العرب.
يجد آدم نفسه، بعد إنقاذه، في قلعة أميروبا، التابعة للتحالف الأميركي-الأوروبي، من دون إدراك واضح لوضعه؛ فيما إذا كان سجيناً أو ضيفاً لحمايته. ويكمل في مختبرات القلعة بناء قنبلته النووية بمساعدة فريق من العلماء النوويين العسكريين، بعضهم أصدقاؤه من جامعة بنسلفانيا.
الرواية مسكونة بالرموز والإشارات، وتتوافر على بنية متماسكة من الحبكة والمعلومات المرتبطة بموضوعها المتشابك والمعقّد، وهي محاولة لمقاربة رواية جورج أورويل “1984”، التي حملت نبوءات بما حدث في الاتحاد السوفيتي، لكن في محاولة التنبؤ بمصير المنطقة العربية، وهي نبوءة في غاية التشاؤم والسوداوية، إلا أنّها -للأسف- من وجهة نظري ليست فنتازية، بل واقعية وممكنة تماماً، وإن بصور وصيغ أخرى، لا تبتعد عن جوهر النبوءة السوداء!
تستنبط الرواية أحداثها وتطوراتها من مسارات راهنة في العالم العربي؛ انهيار الدولة القطرية وتحوّل المجتمعات نحو صراع طائفي وعرقي وديني، ينتهي بها إلى حروب داخلية وعودة إلى البدائية والقبلية، والتصارع على المصادر الأولية؛ نمو المحور الإيراني-الروسي-الصيني لمواجهة التحالف الأميركي-الأوروبي؛ وجود إسرائيل كقوة مهيمنة في المنطقة؛ بروز التنظيم الذي يمثّل الشكل الجديد للإرهاب بعد نهاية “داعش”، وهو تنظيم عالمي على درجة أكبر من الذكاء والتعقيد والفعّالية والتخطيط؛ نضوب النفط وموت ملايين العرب بسبب الحروب الداخلية والجوع والتناحر؛ بروز الاتجاه الفاشي في الغرب نتيجة الصراع مع التنظيم، ويمثّله في الرواية “ليتيل براذر”- الأخ الأصغر، في محاكاة لمفهوم الأخ الأكبر عند جورج أورويل، الذي يضع شعار “العربي الجيد هو العربي الميّت”، على جدار القلعة.
لكن، في الرواية أيضاً، نقاشات عميقة دقيقة، عبر أبطالها وشخوصها، في محاولة استشكاف أسباب الإرهاب ودور القوى الدولية فيما ستصل إليه المجتمعات العربية، والنظرة العنصرية تجاه العرب والمسلمين، وخطورة السلاح النووي والنفاق الأخلاقي العالمي.
العرب يصبحون في الرواية هم “المجتمعات الآيلة للزوال”، ومن هنا يأتي وصف آدم بأنّه “العربي الأخير”، في سياق حالة التطاحن التي تؤدي إلى انقراض العرب تدريجياً، بعد أن انقرضوا سياسياً وحضارياً وثقافياً.
ثمّة غموض وحالة مركّبة في شخصيات الرواية وبعض أحداثها وحيثياتها. لكنّ تلك التناقضات تعطي الرواية جمالية أكثر. فمن قال إنّ التناقضات والمفارقات غير موجودة في الواقع؟ وربما نجد هذه السمة في شخصية آدم نفسه بطل الرواية العربي، ولعلّ ذلك يعكس حجم التناقضات الهائلة في أوضاعنا ومجتمعاتنا اليوم!