الفساد في المدن: العلاج والوقاية/ إبراهيم غرايبة

صدر عن أمانة عمان-معهد عمان للتنمية الحضارية (2009) كتاب “الفساد في المدن: دليل للعلاج والوقاية”، من تأليف روبرت كليتغادا وآخرين، وترجمة مجد محسن. ويركز الكتاب أساسا على تحسين إدارة المدن، وأنماط واتجاهات من الفساد متعلقة بإدارة وتنظيم المدن. ويخلص إلى نتيجة أساسية، هي أن مكافحة الفساد ليست غاية بحد ذاتها، بل مبدأ توجيهي لإصلاح إدارة المدن وتحديث عملية تقديم الخدمات وتمكين المواطنين من المشاركة في إدارة شؤون مدينتهم.

تتميز إدارة المدن بطابعها الاجتماعي، وبذلك، تعتمد استراتيجياتها على التضامن الشعبي وحشد المؤيدين لسياسات المواجهة مع الفساد والمتضررين منه. ويمكنها أيضا تلقي معلومات وشكاوى، وتنظيم أعمال مجتمعية. لكن ثمة قواسم مشتركة كثيرة بين الفساد المتعلق بالمدن، والفساد المتعلق بالإدارة المركزية. وبشكل عام، فإن الفساد يمكن فهمه بالمعادلة البسيطة التالية: الفساد يساوي سلطة الاحتكار زائدا حرية التصرف لدى المسؤولين ناقصا المساءلة. فإذا كان أحدهم يملك سلطة احتكار على سلعة أو خدمة ما، وحرية التصرف ليقرر من يحصل على تلك السلعة أو الخدمة ومقدار ما يتم الحصول عليه، ولم يكن هناك نظام مساءلة يتيح لآخرين معرفة قرارات ذلك الشخص؛ فمن المحتمل أن يكون هناك فساد. ينطبق ذلك على الحكومات والبلديات والشركات، كما ينطبق على الدول الفقيرة والدول الغنية. وبطبيعة الحال، فإن مكافحة الفساد ليست عمليات أخلاقية، أو لا يمثل ذلك سوى جزء يسير من العمليات؛ وإنما هي منظومة سياسات وتشريعات لمنع الاحتكار وبناء الوضوح والمشاركة، والتحالف مع القوى الإيجابية مثل وسائل الإعلام والنشطاء الاجتماعيين.

ويقترح المؤلفون سياسات للمواجهة قائمة على فحص كشوف وملفات الموظفين غير النزيهين، وتعزيز العدالة والكفاءة في التوظيف، واستخدام الحوافز المادية والمعنوية للموظفين، ومعاقبة السلوك الفاسد وتشديد العقوبات، واستخدام نطاق واسع من العقوبات مثل النقل والحرمان من فرص التدريب والسفر، والتشهير وفقدان المكانة، وتعزيز أنظمة التدقيق والمتابعة، وتشجيع التبليغ والشكاوى وحماية المبلغين.

وتقع عمليات الفساد عادة في التهرب من الضريبة والتلاعب بها، وفي التقديرات والمناقصات والعطاءات، والرشاوى وسرقة الممتلكات العامة، والتغيب عن العمل. ويعرض الكتاب بالتفصيل لضرورة استهداف الرؤوس الكبيرة في الفساد، بما يسمى “قلي السمك الكبير”؛ إذ إن ذلك يمنح الإدارة ثقة ومصداقية، ويخيف الفاسدين وشركاءهم وحلفاءهم.

ومن المؤشرات التي يمكن أن يستدل بها المسؤولون والمواطنون والنشطاء على الفساد: بقاء عدد الشركات المتقدمة لنوع من العطاءات أو في منطقة معينة، صغيرا وثابتا مع مرور الزمن، وثبات الحصص التي تملكها شركات بعينها مع وجود عدد أكبر من المنافسين، والتطابق بين معلومات وكشوف وتقارير المقاولين مع المعلومات التي يقدمها مدققون ومحققون عن عطاءات تستخدم أسعارا تختلف بقدر كبير عن أسعار السوق الحقيقية أو النسبية… ذلك يؤشر على تلاعب بالعطاءات، وإحالة عطاء على متعهد قليل الخبرة، وإجراء تعديلات على بيان العمل الخاص بالحكومة. وقد لا يؤشر ذلك على فساد، ولكنه يؤشر بالتأكيد على خلل ونقص في الكفاءة.

شاهد أيضاً

بغض النظر عن الأسباب ودوافع لعملية السابع من أكتوبر فقد وقعة الواقعة ولا مبرر لجلد الذات* عمران الخطيب

عروبة الإخباري – عندما كانت “إسرائيل” تعد العده لاقتلاع منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان كان …

اترك تعليقاً