عروبة الإخباري- ماجرى مؤخرا في مدينة اربد من مواجهة مسلحة هي الأعنف والأطول بين الأجهزة الأمنية ومجموعة إرهابية مرتبطة بتنظيم داعش أرسى الكثير من القناعات، وطرح العديد من التساؤلات.
أولى تلك القناعات أن الأردن ليس محصنا ضد الإرهاب، فهو كأي دولة في العالم معرض لاهتزازات وهجمات إرهابية، سيما وانه ناصب الإرهاب العداء منذ اللحظة الاولى، بل إنه لم يتوان عن المطالبة بتحالف دولي للقضاء عليه، وإن تراخت الكثير من الدول عن ذلك، وبالتالي فإن لكل موقف كلفة.. والأردن قيادة وشعبا يعرف حجم الكلف والتبعات التي ستلي قراره الشجاع والجريء.
ثاني تلك القناعات، أن الأردن دولة مجاورة وعلى تماس مع مكامن الإضطراب في العراق وسوريا، وعلى مقربة من “دولة داعش”، وهو ما يفرض على الأردن عبئا ثقيلا على المستوى الأمني، وهو ما يدركه صانع القرار السياسي والأمني في البلاد.
أما ثالث تلك القناعات، فيتمثل بالموجات البشرية التي استقبلها الأردن على مدى خمسة اعوام، وهي مجاميع بشرية مختلفة من الأطياف والمشارب، بل والاتجاهات والأفكار والمعتقدات، وربما يكون من بين تلك الموجات دواعش استقوا وتشربوا أفكارهم ومعتقداتهم خارج الأردن ومن ثم دخلوا البلاد بصفة لاجئين، وهو ما يمثل خطرا وشيكا، تدركه الدولة فيما يُعرف بالخلايا النائمة.
أما رابع تلك القناعات، فتكمن في إدراك الدولة الأردنية العميق بأن هناك العديد من الشباب الأردنيين ممن انتظموا مع المنظمات الإرهابية، وهناك عدد آخر ممن هم متعاطفون معهم، أو مؤيدون لهم، وهؤلاء يمثلون خلايا كامنة في المجتمع، وهي مجرد أدوات تنفيذية عمياء للمستوى القيادي الإرهابي، وهي لاتقل خطورة عن سابقتها، بل إن مكمن خطورتها أنها تخفي ملامحها المتطرفة حتى اللحظة الأخيرة.
وعلى سبيل المثال، فإن المجموعة الإرهابية في اربد “كانوا يعيشون بيننا ولم نلحظ شيئا غريبا في سلوكهم”، وهو ما قاله جيرانهم القاطنين بالقرب من منزلهم الذي تحصنوا فيه.
في ظل تلك القناعات، هناك من يرى أن مستقبل الاستقرار في الأردن أصبح مثار تساؤلات. فرغم نجاح الأجهزة الامنية في العملية، لكن التساؤلات تكبر أكثر واكثر، فهناك من يتساءل: هل أصبح لتنظيم داعش الإرهابي فرع في الأردن؟، ما طبيعة العلاقة التنظيمية بين خلية اربد والتنظيم في الرقة أو في أي مكان آخر؟، ماهو مستوى الخطر والتهديد الذي يمثله داعش على الأردن حاليا؟، هل اصبح الأردن في عين العاصفة؟
كل ذلك يأتي في ظل تقديرات العديد من المراقبين التي تقول أنّ المزاج الغالب لأبناء التيار السلفي الجهادي في الأردن يميل في ولائه إلى تنظيم داعش” وليس لجبهة النصرة، أي انهم “داعشيّو المزاج”، وهو ما يؤشر إلى جسامة الخطر الذي يجب أن نعيه بعمق، رغم قدرة الدولة على الحفاظ على استقرارها طوال 5 سنوات من الاهتزازات الإقليمية المحيطة، ولاسيما في الجوارين السوري والعراقي.
وهنا لابد من الإشارة إلى ان الأردنيين على مدى 4 عقود كانوا من ابرز منظري التيارات الجهادية في العالم، بل ومن ابرز مناصريها، فالأب الروحي لمؤسس تنظيم القاعدة اسامة بن لادن هو الشيخ عبدالله عزام، والاب الروحي لتنظيم “داعش” هو ابومصعب الزرقاوي، كما يستقر في الأردن، وفي مدينة الزرقاء تحديدا، ابرز منظري التيار السلفي الجهادي في العالم وهما الشيخان ابومحمد المقدسي وابوقتادة، وفي اغسطس (آب) من العام الماضي أعلن الشيخ ابومحمد الطحاوي عن تأييده لدولة داعش وللبغدادي..
لم يتغير شيء منذ تأسيس الدولة الأردنية، فقد كان الأردن في عين العاصفة دائما، لكنه كان دائما يتغلب عليها بحكمة قيادته واحترافية أجهزته الأمنية وتماسك شعبه وولاء ضيوفة والمقيمين فيه.. ومعركته ضد الإرهاب بلونه الجديد ليست استثناء..