يعمل الأردن جاهدا لاستثمار قرار وقف إطلاق النار في سورية، والذي تبنته موسكو وواشنطن، لإحياء حالة “الستاتيكو”على الجبهة الجنوبية من سورية، والتي صمدت لوقت طويل قبل أن تنهار بعد تقدم الجيش السوري صوب درعا ومحيطها بدعم كبير من الطائرات الحربية الروسية.
فبينما تتركز الأنظار الغربية والتركية على حلب وما يدور حولها من معارك، يعيد الأردن التذكير، في كل مناسبة، بأهمية الجنوب السوري كنموذج مجرب للهدنة، يمكن البناء عليه في المستقبل لتأمين استقرار نسبي في مناطق أخرى، واحتواء حركة اللاجئين، واختبار نوايا مختلف الأطراف المعنية بالحل السياسي في سورية.
للأردن مصلحة أكيدة في أن يعم الهدوء المناطق المحاذية لحدوده، لتجنب موجات لجوء كبيرة، وتفادي تهديد الجماعات الإرهابية، وحماية الأراضي الأردنية المجاورة من خطر القذائف العشوائية وتبعات المواجهة العسكرية.
لأكثر من ثلاث سنوات، اعتمد الأردن على ما عرف حينه بـ”نظرية الوسائد” لامتصاص التطورات العسكرية، والحؤول دون انتقالها للمناطق الحدودية. وتولت جماعات سورية معتدلة على صلة وثيقة بالأردن لعب دور “الوسائد”.
لكن وقبيل التدخل الروسي بوقت قليل، اهتزت مكانة “الوسائد” في النظرية الأمنية الأردنية، على وقع صراعات الفصائل وحساباتها الداخلية، وتبدل ولاءاتها.
باختصار، لم يعد الأردن يركن كثيرا على التزامها، رغم الخدمات الهائلة التي قدمتها.
التدخل الروسي عصف بكل التوقعات في سورية. وقد سارع الأردن إلى صياغة حزمة من التفاهمات مع الروس تضمن بقاء المناطق الجنوبية خارج جدول العمليات العسكرية. صمدت هذه التفاهمات لعدة أشهر، ثم انهارت بعد توسع نطاق حماية دمشق ليشمل مواقع استراتيجية في الجنوب.
لم يتوقف التنسيق الأردني الروسي، لكن الثقة بالضمانات اهتزت بشكل كبير، وهي اليوم في طور الاختبار الحاسم.
بصورة عامة، الهدنة في سورية تكافح من أجل أن تبقى صامدة. الروس والأميركيون، وعلى الرغم من خلافاتهم، يظهرون رغبة في استمرار حالة وقف إطلاق النار، رغم الخروقات من الطرفين.
لكن الانهيار وارد في أي لحظة، والعودة إلى القتال ستكون شرسة للغاية. المواجهات ستندلع بقوة على جميع الجبهات، وجبهة الجنوب لن تكون مستثناة من العمليات العسكرية.
الأسلحة ما تزال تتدفق للجماعات المسلحة من تركيا، وبعض دول الخليج مستعدة لضخ المزيد من الأموال. إيران وحزب الله لن يقفا مكتوفي الأيدي، والمقاتلات الروسية ستضرب بقوة في كل مكان.
الولايات المتحدة لن تبدل كثيرا من دورها، وستبقى تناور على جبهة الدبلوماسية، وربما تكثف عملياتها ضد مواقع “داعش”.
الأردن في مثل هذه الحال عليه أن يعتمد على نفسه لتأمين متطلبات أمنه الوطني وأمن حدوده؛ لا الضمانات الروسية ولا الوسائد السورية. كل شيء قابل للاحتراق في أرض المعركة المفتوحة على كل الاحتمالات.
المهم أن نبقى بعيدين عن نيران الحرب ونتمسك بسياستنا المجربة. لن يكون بمقدورنا بعد اليوم أن نتحكم بهوية جيراننا على الجانب السوري من الحدود، لكننا قادرون على حفظ حدودنا من العبث والتطاول، وهذا أقصى ما نستطيع القيام به.