مع الأزمات، تشتد الحاجة للأخبار والمعلومات؛ إذ يصبح المرء متعطشاً لمعرفة التطورات والإلمام بها، وبالتالي تداولها ونشرها.
وفي الأحداث الكبيرة، تتكاثر الأخبار وتتعدد حدّ التباين، كنمط عام. وقد زادت الأمر تعقيدا مواقع التواصل الاجتماعي التي يتسع مداها في الأردن؛ إذ لدينا اليوم ثلاثة ملايين مستخدم لموقع “فيسبوك”، إضافة إلى مئات الآلاف من مستخدمي “تويتر”، وغيرهما الكثير.
ومع الإقرار بأهميتها، إلا أن مواقع “التواصل” تخلق ما يمكن وصفه بـ”فوضى الأخبار”؛ حيث تختلط الحقيقة بالمبالغة حيناً، وبالكذب أحيانا أخرى، وضمن ذلك اختلاط القديم بالجديد. ولتكون المحصلة إشاعة أجواء سلبية، أقلها بحكم عدم الثقة بما هو منشور نتيجة تضاربه.
فإذا كان لمواقع التواصل الاجتماعي فوائدها، إلا أن مضارها كبيرة ومتعددة أيضاً، لاسيما في الأزمات، وخصوصا تلك التي ترتبط بأمن البلد واستقراره.
تعاطي هذه المواقع مع العملية الأمنية في إربد، قبل أيام، والتي أثمرت إحباط مخططات إجرامية لخلية تنتمي لتنظيم “داعش”، مثّل نموذجا صارخا –جديدا- على هذه الفوضى. إذ كشفت الحادثة أسوأ ما في “التواصل الاجتماعي”، بسبب عدم إدراك مخاطر بث الأنباء من دون حرص وتمحيص.
وأحاول هنا رصد بعض من العيوب التي برزت.
أولا، ظهرت على “فيسبوك” صفحات وهمية أو غير رسمية لمؤسسات حساسة، مثل دائرة المخابرات العامة، كانت تنشر “فيديوهات” كأنها من قلب الحدث. وطبعاً، كان الناس يصدقون كل ما ينشر عليها، لظنهم أنها صفحة/ صفحات رسمية. كما تم تداول ما نشر فيها، وقد احتوى ما يضر بصورة المؤسسات مهنيا، ويرسم صورة غير حقيقية عنها.
ثانيا، انتشرت أخبار كاذبة حول القضية، لناحية المبالغة في حجم وتأثير الخلية الإرهابية. ومثال على ذلك ادعاء إعلان حالة الطوارئ، أو أن الإرهابيين سيطروا على مدينة إربد. وهكذا كذب، وإن اتضح مباشرة أنه ينطوي على مبالغة غير قابلة للتصديق، إلا أنه يزعزع الثقة لدى البعض، ويبث روحا سلبية وإحباطا لديهم.
ثالثا، تعدد الأرقام، غير الصحيحة طبعاً، حول شهداء الواجب؛ ففي مرة كان العدد ثلاثة شهداء، وفي أخرى شهيدين. هذا عدا عن الحديث عن إصابة عدد كبير من القوة الأمنية.
رابعا، قام البعض، للأسف، بنشر خبر استشهاد الرائد راشد الزيود من دون أدنى حس إنساني وتقدير لحساسية القضية لدى عائلته التي لم تكن تعلم بالخبر المفجع بعد. فأدنى معايير المهنية والإنسانية توجب أن لا تؤخذ هكذا قضية محزنة بخفة واستسهال.
خامسا، صورة الشهيد الزيود كانت أيضاً محل خطأ. اذ استخدم ناشطون على مواقع التواصل صورا قيل إنها للشهيد، فيما هي في الحقيقة لأشخاص آخرين. وقد تم تداول هذه الصور على نطاق واسع من دون تقدير لتبعات ما يفعلون.
سادسا، هذه الفوضى تعقّد عمل الإعلام الجاد، إذ تقع على عاتقه مسؤوليات إضافية؛ فعدا عن المهمة الأساسية المتمثلة في نقل الأخبار، يصبح لزاماً على هذا الإعلام تصحيح كل الأخطاء التي يرتكبها رواد مواقع التواصل.
سابعا، ينسى الناشطون على مواقع التواصل أنّ الإعلام حتى وإن كان يقع في إطار “الإعلام الاجتماعي”، يظل أداة معركة وحرب، فلا يقل دورهم أهمية عن دور الجندي في ساحة المواجهة المباشرة. ومن ثَمّ، يكون على هؤلاء الناشطين إدراك دورهم الوطني، بأن يستخدموا سلاحهم بفعالية وذكاء في المواجهة مع الفكر المتطرف والإرهابيين الذين نجحوا كثيراً في استخدام هذه المواقع لغسل عقول الشباب واستدراجهم لفكرهم الظلامي.
ثامنا، وبما يرتبط بشكل وثيق بالملاحظة السابقة، فإن ملايين الناشطين على مواقع التواصل عليهم الاختيار بين أن يكونوا أداة بناء أو معول هدم. وتحدد ذلك بدهية أن الحقيقة أهم من كل الإثارة والإعجاب بما ينشره المرء على “فيسبوك” وسواه.
لأن المواجهة ضارية، والحرب مستمرة، فإن قليلا من الانتباه، وتعلّم الطرق المفيدة في توظيف مواقع التواصل الاجتماعي، سيؤهلان الناشطين عليها للعب دور إيجابي نافع، بدلا من تمرير الأكاذيب والزيف؛ فالحرب على التطرف إعلامية نفسية وحداثية.