تواصل السلطات التركية حملة شنيعة لإسكات الأصوات المنتقدة لها في وسائل الإعلام. وبحجة الحرب المفتوحة للقضاء على جماعة الخدمة بزعامة الداعية فتح الله غولن، تمضي حكومة أردوغان في سياسة مدبرة لإغلاق فضائيات وصحف ووكالات أنباء.
الحملة طالت عشرات الصحف والفضائيات حتى الآن، وفي الأسبوع الأخير تم حجب قناتي “بانجي تورك”و “آى أم سي”، فيما مايزال رئيس تحرير صحيفة “جمهوريت” في السجن بعد رفض رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان تنفيذ قرار المحكمة الدستورية بالإفراج عنه.
المجزرة ضد الإعلام في تركيا توجت قبل يومين بقرار وضع صحيفة “زمان” الأكثر انتشارا في تركيا تحت الحراسة القضائية. المئات من رجال الأمن اقتحموا مبنى الصحيفة يوم الجمعة، وأمطروا الآلاف من المتظاهرين بقنابل المسيل للدموع، واعتدوا عليهم بالضرب المبرح.
“زمان” كانت حتى زمن قريب تخدم حكومة أردوغان بطريقة غير مباشرة، لكن مع انهيار التحالف الوثيق بين جماعة غولن وحزب العدالة والتنمية الحاكم، تحولت الصحيفة إلى عدو لدود للحكومة التركية مثلها مثل وكالة “جيهان” للأنباء، وفضائيات وصحف عديدة تم سحقها نهائيا من الوجود.
غير أن ما يلفت النظر عربيا هو الصمت المطبق من قبل فضائيات ووسائل إعلام عربية على ما يحدث من انتهكات بشعة لحرية الصحافة في تركيا.
مشاهد رجال الأمن الأتراك وهم يفتحون خراطيم المياه على جمهور المتضامنين مع “زمان” ويلقون عليهم القنابل المسيلة للدموع لم تحظ باهتمام يذكر من محطات فضائية طالما اهتمت بانتهاكات أقل بكثير وقعت على صحفيين مصريين أو تونسيين مثلا.
موقع “هاف بوست” بالعربي على سبيل المثال الذي تتصدر عناوينه في العادة إنجازات الحكومة التركية، تخلّى تماما عن تغطية أخبار اقتحام الشرطة التركية لمقر صحيفة زمان، وهو فيما مضى لا يتردد عن الكتابة بالخط العريض عن مشادة كلامية بين رجل شرطة مصري وصحفي في الصعيد “الجواني”.
ليس مطلوبا من وسائل الإعلام العربية أن تتنازل عن حسها النقدي حيال الانتهاكات بحق حرية الصحافة في مصر وسواها من البلدان العربية، فهذا واجب مقدس، لكن يتعين عليها أن تلتزم بالتوازن والموضوعية في تغطية الأحداث، دون النظر للاعتبارات السياسية التي باتت تتقدم وبكل أسف على الاعتبارات المهنية في معظم وسائل الإعلام العربية، وخاصة الفضائيات.
تقبع تركيا اليوم في الثلث الأخير لمؤشر حرية الصحافة العالمي، بفعل سياسة الحكومة هناك التي زجّت بالعشرات من الصحفيين في السجون بتهم مختلقة، وأغلقت العشرات من وسائل الإعلام، وبلغ جنونها من الإعلام حد تعطيل خدمة مواقع التواصل الاجتماعي لفترات وملاحقة الناشطين على “الفيسبوك” و”تويتر” بسبب انتقاداتهم لسياسات الحكومة في مجال الحريات.
“زمان” هى أخر ضحايا البطش الأردوغاني، وهى صحيفة تطبع وتوزع باللغتين التركية والإنجليزية، ما يفوق الصحف الأردنية مجتمعة. تخيلوا ردة فعل الفضائيات والمواقع العربية عينها لو أن صحيفة أردنية أو مصرية بحجم صحيفة “زمان” تعرضت للتعطيل والاقتحام من قبل الشرطة. الأرجح أن بثا حيا سيستمر على مدار الساعة من موقع الحدث؛ من باب الموضوعية طبعا لاغير.