ليل الثلاثاء كان استثنائياً؛ إذ بلغت القلوب الحناجر خوفا وقلقا على الأردن، مع متابعة عملية إحباط المخططات الإرهابية لمجموعة إربد التي ترتبط بتنظيم “داعش”؛ فيما كانت الروح الوطنية الجامعة، بالوقت ذاته، في أبهى تجلياتها.
هكذا هي حال الأردنيين دائماً؛ يتوحدون في وجه كل من يحاول المساس ببلدهم وأمنه الذي هو أمن كل واحد منهم، فيرتقون على كل خلافاتهم السياسية وسواها، واضعين وطنهم في مرتبة تعلو على كل ما سواه.
لنا أن نتخيل كيف ستكون الحال اليوم لو لم يكن لدينا جهاز مخابرات قوي مهني، وجيش مدرب مهيّأ، وأجهزة أمنية كفؤة، تدرك تماما كيفية التعامل مع التنظيمات الإرهابية! فلولا توفر المعلومات المخابراتية الدقيقة، لاستطاع الإرهابيون أن يزعزعوا أمننا واستقرارنا، ولو لبعض وقت.
سبعة من الإرهابيين كانوا مفخخين بالأحزمة الناسفة، بما يعني استعدادهم وجاهزيتهم لتنفيذ جرائمهم. وفوق ذلك كميات غير عادية من الأسلحة الأخرى، كما دللت مدة المواجهات التي استمرت لساعات، لكن خرج منها “الدواعش” خاسرين، فيما سجلت الأجهزة الأمنية انتصارا جديدا على كل من تسول له نفسه العبث باستثناءينا؛ الأمن والاستقرار.
الإنجازات المتواصلة للأجهزة الأمنية (وليس جميعها إنجازات معلنة) بإحباط مخططات الإرهابيين الساعية إلى الوصول لأهداف عسكرية ومدنية، هي إنجازات تزيد ثقة الأردنيين، على اختلاف تلاوينهم السياسية، بهذه المؤسسات ودورها الذي تعرفه تماما، وتؤديه بحرفية قد تكون من بين الأعلى عالمياً؛ كما يشهد على ذلك، بشكل لا جدال فيه، تجنيبها البلد مصيرا لقيته كثير من دول العالم؛ في الغرب قبل الشرق، امتدت إليها يد الإرهاب.
لكن، مرة أخرى، فإن مواجهة الفكر المتطرف لها أكثر من أداة؛ أولاها الأداة الأمنية التي نجحت بامتياز في أداء المطلوب منها، بكل حرفية ومهنية. لكن ثمة أداة ثانية مكملة وحاسمة ما تزال تعاني ضعفا كبيرا، وليكنْ على الدولة التنبه إليها، وعدم التقليل من شأنها في إدارة المعركة الحساسة ضد الفكر الإرهابي والمتطرف.
ففي مقابل الأداء المريح والمطمئن للأجهزة الأمنية، يبدو التقييم لأداء المسار السياسي مقلقا؛ إذ الإنجاز ضعيف، بالكاد نشعر به. وضروري مواصلة التأكيد على حقيقة أن محاصرة التيارات المتطرفة والإرهابية لا يكون عبر المسار الأمني فقط، بل تحتاج إلى نهج فكري وثقافي جديدين، ويفترض أن يكون مثال ذلك استراتيجية محاربة التطرف التي أعلنت الحكومة إنجازها، لكنها لم تشرحها، ولا يدري أحد عن تفاصيلها شيئا، كما لا نعلم ما هي نتائجها.
الحرب على الإرهاب تحتاج أطروحات فكرية جديدة، تبني وعيا مجتمعيا بالتحديات، يقوي الجبهة الداخلية ويمتنها، انطلاقاً من حقيقة أن سلامة هذه الجبهة هي أفضل سبيل لمواجهة تحديات الإقليم الذي يوشك على الانهيار، لاسيما الواجهة الشمالية، حيث تتعقد الأمور أكثر في سورية، عسكريا وسياسيا.
ما بعد الشهيد النقيب راشد حسين الزيود، تبدو الحالة الوطنية شبيهة إلى حد كبير بتلك التي شاعت عقب استشهاد الطيار معاذ الكساسبة، رحمهما الله. والمسألة المهمة هي النجاح في استثمار المزاج الرافض للإرهاب والحريص على الأردن، لمحاصرة الفكر المتطرف بكل أشكاله ومستوياته. وهو ما يستدعي ضرورة الوقوف لمراجعة الاستراتيجية الحكومية لمحاربة التطرف وتقييمها، لنعرف كم نجحنا في تجذير الشعور الشعبي الرائع الذي نعاينه اليوم، والبناء عليه.
المسار السياسي هو مسؤولية الحكومات. لكن يبدو أنها لا تجيد التعاطي معه؛ إذ تجهل كيف تستثمره في دعم الجبهة الوطنية لتحصين شبابنا، بملء رؤوسهم بأفكار تقدمية مدنية، بدلا من أن يغتالهم ويختطفهم التطرف والإرهاب، ممثلين بتنظيم “داعش” وسواه.
الأهم من الشعور اللحظي بالوحدة في مواجهة الإرهاب، هو استدامته والحفاظ عليه، سبيلاً لسد كل الثغرات التي قد يتسلل منها الإرهابيون. ومع ما نعرفه عن جيشنا ومخابراتنا وقوانا الأمنية كافة، لا يقلقنا الإرهابيون. إنما نخشى كثيرا حين يرتبط مصيرنا بأداء الحكومات.
الأردن الذي يخوض حربا ضد “الدواعش” سيبقى دائما هدفا لهم. وخوض المعركة للقضاء عليهم نهائياً يحتاج التحضير جيدا؛ على المستويات كافة.