عروبة الاخباري – خاص – كتب سلطان الحطاب – ليس من السهل ان تكون محايدا في العالم العربي والاصعب ان يكون الحياد ايجابيا كما مارست وتمارس سلطنة عمان في سياستها الخارجية رغم التعقيدات العربية والاقليمية والدولية المحيطة ..
لقد اختبرت السلطنة في اكثر من محطة ونجحت والذين كانوا ياخذون عليها حيادها ادركوا بعد حين انها انما تبتعد عن الفتن والحرائق والمغامرات ..
رصدت سياسات السلطنة حين كان البعض يتندر بانها سويسرا اخرى في المنطقة محايدة وبعيدة ولا يهمها الا مصالحها قبل ان يدركوا فضل تلك السياسات ونزاهتها وحرصها .. فقد ابتعدت عمان خطوات عن الاشتباك العدمي المدمر لتراه على حقيقته وتخرج بالعبرة والحكمة والدرس ..
لقد اوتي السلطان الحكمة ( ومن اوتي الحكمة فقد اوتي خيرا كثيرا ) وبنى من خلالها مواقف سلطنة عمان التي اصبحت شاهدا ومبشرا .. ودليلا قاطعا على ان هذه السياسات النابعة من القناعة العمانية تطرح ثمارها وتمكث في الارض ..
هذا الحياد الايجابي افاد منه مجلس التعاون الخليجي حين حذرت سلطنة عمان وعلى لسان سلطانها ووزراء في حكومتها من مغبة اسراج خيول المجلس لاهداف غير واضحة او لاخرى تبحث عن من يتبعها دون ان يكون للمجلس فيها اي تلك السياسات والاهداف نفع يعود على الخليج واهله ومستقبله ..
وحين كانت بعض العرب تتناخى وتطلق صرخات الحرب وتعيد تمثيل دور داحس والغبراء ظهر الشاعر زهير بن ابي سلمى ليمدح حكماء تصدوا للدم ومدحهم..
مدح الهرم بن سنان والحارث بن عوف بقوله:
تداركتما عبس وذبيان بعدما تفانوا ودقوا بيتهم عطر منشم
واليوم .. والعرب هي العرب لم يغير الاسلام كثيرا في سلوكها ولم يجعلها تجنح للسلم او تحفظ صلة الرحم ودم الاقربين ولم تتمثل الاسلام وحديث رسوله حين قال ان هدم الكعبة اهون عند الله من قتل مسلم بريء.. فكم من المسلمين الابرياء قتلوا في اليمن وسوريا وغيرها باسلحة عربية عربية وبدعوات جاهلية يبرا منها الاسلام ..
ينهض السلطان قابوس بدور الهرم بن سنان والحارث بن عوف ويبصر جواره بماسي الحرب وحصارها وثمرها ويحذرهم مما تلد الحرب او تنجب من اطفال مشوهين ومن احقاد وضغائن ويعلن مبادرته لوقف الحرب في اليمن ووساطته من خلال وزير الدولة للشؤون الخارجية العماني في سوريا .. وتسعى سلطنة عمان ولا تنام وجارها جريح او نازف او مدمرة بيوته ويستقبل السلطان وفودا من الوان مختلفة ويحكي معها بلغة واحدة لا تقبل الوجهين او التاويل . ولكن حجم الاندفاع الارعن وشعارات وصراخ الثارات يغطي المشهد حتى بالكاد يلمح وسط الضجيج الصوت العماني والنداء السلطاني ..
كانت السلطنة قبل حرب اليمن او الحرب على اليمن قد قالت كلمتها ولم تمش وقالت مثل ذلك في سوريا ومن قبل سعت لتجلس الاطراف في غرف الحوار بدل ان تتقابل في ميادين القتال ..
ومازال صوت سلطنة عمان رغم الضجيج يسمع .. ومازالت زرقاء اليمامة التي غادرت منزلها واهلها حين لم يعد احد يسمع قد ظهرت في سلطنة عمان مرة اخرى ومازال قاتلها يقول :
نصحتهموا امري بمنعرج اللوى فلم يستبنوا الرشد الا ضحى الغد
فهل جاء ضحى الغد وهل استبان القوم الرشد وهل يشتري احد نبؤة زرقاء مسقط
هذه الحروب خاسرة وهي تاكل الاخضر واليابس وتعمق الكراهية وتريد نزيف الدم وتاكل مدخرات الاجيال واهدافها اقرب الى السراب الذي لا يقبض منه الا الاهداف التي ترجى .. فالى متى ولماذا ؟..
كان فائض قدرة السلطنة في سياساتها الخارجية قد وظف ليكون الاميركيون والايرانيون اقرب لبعضهم وقد استعملوا الحوار بدل البوارج وقد نجحت عمان الدولة الصغيرة في ان تجر العملاقين ليجلسا معا ويتفكرا في المصالح والسلم الدولي ولغة المنافع المشتركة ..
ووسط استغراب العالم وذهوله نجحت السياسة الخارجية العمانية في نزع فتيل التوتر الاميركي الايراني وبدات مسيرة بناء الثقة حتى امتلك الطرفان راس الخيط الذي اسفر النسج به الاتفاق الشهير الاميركي الايراني الذي حمل اكثر من اسم .. وابرزها الاتفاق حول النووي الايراني ..
كان الرصيد العماني من الحياد الايجابي كبيرا وكانت مفرداته كثيرة فقد انقذت سياسة سلطنة عمان رهائن لعديد من الدول ونزعت فتيل صواعق عديدة في البر والبحر ولم تضع راسها في الرمل حين كانت ترى الجوار مشحونا او محترقا او صاخبا بالتهديدات ..
كانت ايضا قد جنبت مجلس التعاون الخليجي مشاحنات داخلية وتوترات وانحيازات الى هذا الطرف او ذلك وكان ذلك يكلفها احيانا ان يجري تصنيف السلطنة في المكان الذي تريده او ان يسلط عليها اعلام النائحات المستاجرات اللواتي كن اكثر صراخا من اهل الميت حين يصدق المثل ” اهل الميت صبروا والمعزين كفروا ” ..
ادرك زعماء الخليج الحكمة العمانية فقصدوها واستمعوا اليها واقروا بفضلها في حين كابر اخرون واستكبروا وانكروا ..
لم تكن عمان ضد ربيع العرب ولكنها حذرت منه واستبطنت اهدافه وادركت مراميه وكانت لها نصائح عند الشقيقة مصر التي عرفت طيب النصح العماني ونزاهته فكانت رؤية سلطنة عمان واضحة .. وكانت السلطنة قد اشارت على الاردن بعدم الصدام مع الاسلاميين حين خرج الاخوان هنا وقد رفعوا المصاحف على اسنة الرماح في اكثر من دوار وميدان وشارع وقد شرعوا باطلاق شعارات اسقاط النظام .. وكانت سلطنة عمان عبر وزيرها بن علوي في دمشق حين كانت دمشق تفقد مقعدها عند العرب وكانت حدودها مغلقة معهم .. وكانت سلطنة عمان في ايران حين شطحت ايران وجاءت ردود فعلها متطرفة لتبصر السلطنة صديقها الايراني بضرورة ان يتردى وان يحتسب وان يدرك ان الدم العربي لا يهون عليها ولن يصبح ماء ..
كان الموقف العماني في الغالب مقدرا ومحترما من اطراف دولية عديدة رات فيه الوضوح والحرص على السلام والابتعاد عن الحرب والاضرار بالمصالح ..
اليوم وقد انشطر العرب وتشظت مواقفهم وغرقت مصالحهم في الدم والصراع فان ما تبقى من حكماء العرب او من يريدون الحقيقة ويتصدونها باعتبارها ضالة المؤمن حيث كانت ادركها . راوا في الموقف العماني ما يراه السائر في العتمة من اهمية ظهور القمر .. ( وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر ) ..
لسلطنة عمان موقف من الحرب على اليمن واضح سيذكره ” قومي اذا جد جدهم ” ولها موقف مما جرى في سوريا ولها موقف في فهم ما جرى التخطيط له والبس ثوب الربيع العربي . فقد قدمت السلطنة حتى لربيعها وصفة جنبتها الانجراف وابقتها امام خسائر الحد الادنى بل انها عالجت مكامن الخلل بتمرين طويل وبعيد المدى مازال فاعلا حتى الان رغم اختفاء كل المظاهر السلبية ..
اليوم ما حذرت منه سلطنة عمان يتجلى في مظاهر خطرة ومرعبة . فالتقسيم بانتظار سوريا والجرح السوري الغائر تعفن ” يتدافع الاكلة على قصعتها ” ووقوف الامة عاجزة عن طرد الارهاب عن الجرح السوري فلا يسمع لها الا ثغاء كغثاء السيل ..
واليوم العراق مازال يتآكل لان العملية السلمية لم تقم على اقدام حقيقية ولانها لا تقوى ان تكون رافعة لكل مكونات الشعب العراقي وهذا ما حذرت منه سياسات السلطنة ودعت للاخذ بالاسباب في معالجة الظواهر والنتائج ..
سلطنة عمان اليوم مع السلطان العائد بالشفاء هي اقوى واكثر بصرا وبصيرة ونصحا واخلاصا ..
ومازال اعلامها المتجدد والمطعم بالمعرفة والخبرة والعلمية والموضوعية يحمل رسالة السلطان والبلاد في النأي بالنفس عن الثورة وفي تقديم النصح والرد على المغالاة والتجذيف واسقاط الامنيات الخائبة ..
سلطنة عمان اليوم تحتسب خطاها وهي تعبر العام الـ ( 45) ليوم النهضة وبناء الدولة العمانية الحديثة التي تخدم كل ابنائها .. وحتى الذين كادوا باساليب خفية او علنية لسلطنة عمان من ذوي القربى الذين هم اشد مضاضة او من غيرهم فانهم لم ينالوا منها وقد ارتد كيدهم الى نحورهم وها نحن نرى ذلك ونرى كيف التزم العمانيون مواقفهم دون تشفي او مزايدة او مناقصة . ومازالوا يمدون ايديهم لمساعدة كل الاطراف من تورط منها او من هو في طريقه للتورط ..
سلطنة عمان اليوم ليست في هذا الخندق من الصراع ولا في ذلك وهي ترفض ان يصب الزيت على النار مهما رخص ثمنه . كما ترفض الاتجار بمصالح الشعوب او الحلول بالبنادق فقد استلهمت دروس التاريخ وعشبت حقلها من الاشواك في سنوات مبكرة منذ استقلالها واجتثت كل الاسباب التي يمكن ان تشعل الحرائق ..
استطيع ان اقول كمراقب ومتابع للشان السياسي الخارجي العماني وسياسات المنطقة وانعكاساتها والمواقف الغربية المتناقضة والمذبذبة والتي خدعت المنطقة وزجتها في صراعات اثنية وعرقية وطائفية . ان تبقى على مواقفها وان تحذر من اولئك الذين اخذتهم العزة بالاثم واعتقدوا انهم قادرون على الحسم دون ان يستلهموا عبر التاريخ ..
لا مكان للكلام المجاني في الاعلام العماني ولذا نلاحظ ان هذا الاعلام الان يستوي على سوقه ويطرح ثماره في رسم صورة الحياد الايجابي العماني ويواكب خطى السياسة العمانية البصيرة للسلطان قابوس الذي يقودها فيفسر هذه السياسات ويضيئها ويتواضع امام ما يجري في المنطقة من حرائق فلا تاخذه الشعارات ولا الوعود الكاذبة وانما يريد ان يكون دليلا لشعبه وشاهدا على هذه الحقبة التاريخية الصعبة.