بالرغم من صمود وقف إطلاق النار في سورية خلال الساعات القليلة الأولى من بدء سريانه، إلا أنّ هناك شكوكاً كبيرة حول استمراره وعدم انهياره، في ضوء التباين الواضح في رؤية أطراف الأزمة لتعريف المنظمات الإرهابية والمتطرفة.
سؤال المليون اليوم: في حال فشل وقف إطلاق النار، ولم تنجح محاولات تقريب وجهات النظر في المفاوضات المفترضة في آذار (مارس) المقبل، ما هو البديل؟!
وزير الخارجية الأميركي جون كيري، تحدّث عن وجود خطة (ب)، من دون الإفصاح عن محتواها. فيما رجّحت مصادر أميركية أن تكون الخطة المقصودة هي العودة إلى دعم المعارضة المسلّحة بدرجة أكبر مما سبق. أمّا قائد قوات حلف شمال الأطلسي السابق، الأدميرال ستاف ريديس، فصرّح لمحطة “سي. إن. إن” بأنّه يتوقع أن تكون خطة (ب) التي تحدّث عنها كيري، تتضمن إقامة مناطق آمنة، وتدخلا للجيوش البرية، من ضمنها الجيش الأردني.
مصادر أردنية قلّلت من أهمية ذلك، وشكّكت في دقة التصريحات. وأنا أتفق تماماً في التحليل مع هذه المصادر؛ فإقامة منطقة آمنة اليوم في شمال سورية أصبح أكثر تعقيداً وأقل احتمالاً، ودخول قوات برية أردنية إلى درعا أمر غير مطروح أردنياً، والتفكير في أنّ إدارة أوباما يمكن أن تقوم بقفزة نوعية في إدارة الصراع السوري مستبعد أيضاً لأسباب كثيرة.
هذا، بالطبع، إذا فرضنا أنّ الإدارة الأميركية لديها رؤية استراتيجية واضحة بشأن سورية، وأنّ هناك بالفعل خطة (ب)! فريما تصريحات كيري هي فقط للحدّ من حجم الاتهامات من قبل الكونغرس لإدارة أوباما بالفشل في بناء مقاربة استراتيجية واضحة تجاه سورية.
ما يهمّنا، أردنياً؛ ما هي خطة (ب)؟
المخاطر كبيرة؛ فالروس لم يلتزموا بتعهداتهم تجاه الأردن، وأخلّوا بها تماماً، ولا توجد ضمانات بحماية أمننا ومصالحنا من قبلهم، ما يجعل من احتمال الاجتياح البري وتكرار سيناريو حلب مطروحاً بقوة.
هذا السيناريو ستترتب عليه نتائج تتعلق بالأمن الوطني الأردني؛ أولاً مئات الآلاف من اللاجئين أو على الأقل النزوح بالقرب من المناطق الحدودية، وتفكك “الجبهة الجنوبية” المقربة من الأردن، والتي تضم أكثر من 40 ألف مقاتل، وتحول جزء كبير منهم إلى تنظيم “داعش” الذي يمكن أن يوفر الدعم المالي البديل والسلاح والذخيرة، وليجد له قدماً راسخة في الجنوب، بعدما نجح الأردن سابقاً في محاصرته والحدّ من خطورته على الحدود الشمالية.
سينتقل الاضطراب والتجويع والحروب إلى الحدود الشمالية، وستلجأ فصائل سورية إلى “حرب عصابات” ردّاً على الاجتياح العنيف المتوقع والقصف الروسي. وقد تحدث مخاطر عبورهم الحدود الأردنية في الكرّ والفر، وستزداد مخاطر الصواريخ والقنابل على المناطق الحدودية الأردنية.
هل سيبقى الأردن مراهناً على وفاء الروس بالتزاماتهم واتفاقاتهم التي “لحسوها” من دون أن يرف لهم جفن؟! بالتأكيد: لا. هل سيلجأ الأردن إلى عملية خلق منطقة عسكرية بالقوة في الجنوب عبر اجتياح عسكري؟! بالتأكيد: لا. ماذا أعدّت، إذن، الدولة لهذا السيناريو الوارد جدّاً في حال لم ينجح وقف إطلاق النار، الذي يعوّل عليه الأردن كثيراً، وعلى ما يمكن أن ينتج عنه من تسويات سياسية؟!
سورية بالنسبة للأردن ليست فقط قضية لاجئين على أهمية الموضوع، وليست مساعدات مالية. بل هي، ودرعا تحديداً، مسألة أمن وطني أردني. وإذا كانت الدول المحيطة تدّعي أنّها معنية بسورية، فالأردن، من باب أولى، الأكثر تأثراً بما يحدث في سورية، ولا يمكن أن تنجح فكرة “النأي بالنفس”!