تظهر النتائج الرسمية شبه النهائية للانتخابات التشريعية في إيران، أن الإصلاحيين من أنصار الرئيس حسن روحاني قد حققوا فوزا كبيرا على المحافظين، يؤمّن لهم، وللمرة الأولى منذ سنوات، أغلبية مريحة في البرلمان.
فوز الإصلاحيين في الانتخابات هو بمثابة ترجمة لنصرهم الدبلوماسي، والمتمثل في الاتفاق النووي مع الغرب؛ وتفويض شعبي عريض لروحاني للمضي بسياسة الانفتاح على الغرب وإخراج إيران من عزلتها الطويلة؛ ومكافأة له على ما حققه للشعب الإيراني في هذا المجال.
نتائج الانتخابات في العاصمة طهران تعطي إشارة قوية على أن القوى السياسية والاقتصادية التي تمثل الطبقة الوسطى، لن تسمح للمحافظين بإعاقة خطط الانفتاح على العالم، وتحريك الاقتصاد الإيراني المثقل بسنوات الحصار.
بالنتيجة، الإيرانيون اختاروا طريق المصالحة مع العالم؛ كان هذا واضحا من حجم التأييد الذي قوبل به الاتفاق النووي مع الغرب، وتأكد بشكل قاطع في الانتخابات.
حكم المحافظون إيران بالخوف والعداء من العالم الخارجي. ونجحوا، لسنوات، في حشد الأغلبية خلف شعارات إيديولوجية وثورية لم تجلب للإيرانيين سوى العقوبات الاقتصادية والتخلف عن ركب التطور الحضاري. واحتاج الإصلاحيون لعقد من الزمن كي يتمكنوا من إعادة تصويب المسيرة، ووضع إيران على سكة العالمية من جديد.
روحاني مثل مصدر إلهام للإصلاحيين بعد سنوات من تعثر تياراتهم، وكان الاتفاق النووي نقطة التحول الكبرى في تاريخ السياسة الإيرانية في عهد الثورة الإسلامية.
الاقتصاد سيقود التغيير في إيران، وعلى كل المستويات. لكن في دولة بحجم إيران ونفوذها، لن يحصل الأمر في ليلة وضحاها. ستحتاج إيران لسنوات يمكن عدها مرحلة انتقالية من عهد الانغلاق إلى الانفتاح. وبهذا المعنى، فإن نتائج التحول على المستوى الإقليمي ستكون بطيئة، وبعيدة.
ليس مرجحا أن تشهد علاقات إيران مع جيرانها تحسنا سريعا بعد فوز الإصلاحيين. ومن غير المتوقع أن تنفض طهران يدها من ملفات وأزمات المنطقة قريبا.
إيران ستبقى اللاعب الرئيس في العراق، والفاعل الميداني في الأزمة السورية. لن تتخلى عن حزب الله أبدا، ولن يجازف الحرس الثوري بحضوره في الخليج العربي ودوره في اليمن.
لكن المؤكد أن مقاربة إيرانية للدور الإقليمي ستنضج على نار هادئة. الإصلاحيون في إيران ينظرون للعلاقة مع دول الخليج بطريقة مختلفة عن المحافظين. حساباتهم في سورية مختلفة نسبيا عن المتشددين. والانفتاح الاقتصادي على الغرب، بما يجلبه من منافع لا تحصى، سيلقي بسحره على السياسة. لغة المصالح ستسود عوضا عن الشعارات الأيديولوجية. لوحات الإعلانات للمنتجات الأميركية ستحل مكان يافطات “الموت لأميركا”. ثقافة السوق ستخطف الأضواء من شعارات الثورة.
يتعين على الدول العربية أن تفكر وتتخيل إيران الجديدة بعد عقد من الزمن، وتبني سياساتها وحساباتها على هذا الأساس.
عندما كان الإصلاحيون يملكون مفاتيح القرار في طهران، لم يمد أحد من العرب اليد لهم. هل نضيع الفرصة مرة ثانية؟
إيران ماضية إلى انفتاح لا رجعة عنه؛ روحاني ليس رئيسا عابرا، إنما مرحلة جديدة يفتح العالم صدره لها. نحن لسنا بمعزل عن العالم، إلا إذا اخترنا المكان المظلم ذاته الذي كانت فيه إيران.