بعد ساعات فقط على إقرار مجلس النواب لقانون الانتخاب، بدأت الأوساط السياسية والإعلامية التداول في مصير مجلس النواب والحكومة؛ التوقيت المرجح لرحيل الأول، واستقالة الحكومة حكماً.
السيناريوهات المطروحة هي، أولاً، حل المجلس في وقت قريب، وإجراء الانتخابات في آب (أغسطس) المقبل. والسيناريو الثاني تأجيل الحل لنهاية الدورة البرلمانية الحالية، وإجراء الانتخابات في الشهرين الأخيرين من العام الحالي. أما ثالث التوقعات، فهو ترحيل الانتخابات إلى الربع الأول من العام المقبل؛ أي مع انتهاء المدة الدستورية للمجلس. وهذا يعني بقاء الحكومة إلى ذلك الوقت تقريبا.
قليل جدا من المعلومات المتداولة يستند إلى معطيات مؤكدة، ومعظمها أقرب إلى التوقعات والتكهنات، والأمنيات.
المرجح أن أحدا لا يعرف بعد رأي صاحب القرار في هذا الشأن، وربما يكون الملف برمته ما يزال محل بحث في حلقات القرار الضيقة، بانتظار الكلمة الأخيرة في الأسابيع المقبلة.
لكن، وكما نلاحظ، فإن احتمالين من الثلاثة سالفة الذكر يرجحان إجراء الانتخابات هذا العام. وإذا ما تأكد ذلك، فإننا أمام تحدٍ لا يستهان به.
إجراء الانتخابات يتطلب تحضيرات لوجستية وفنية معقدة، لا تخصّ الهيئة المستقلة للانتخاب فقط، بل الحكومة أيضا. لا نعرف بعد مدى جاهزية “الهيئة”، وهل تبقى على حالها أم أن تغييرا سيطال تشكيلتها، لمنحها الطاقة والقدرة اللازمتين لإدارة أهم وأخطر مرحلة في الانتخابات.
قانون الانتخاب مهما كان متطورا، فإنه لا يمثل سوى جزء من العملية الانتخابية، التي لا تستوي من دون إعداد جيد لمراحلها اللاحقة؛ جداول الناخبين، والأنظمة الانتخابية المشتقة من القانون، وترتيبات يوم الاقتراع والفرز، وآليات الرقابة المستقلة على مجريات العملية الانتخابية بكل مراحلها.
وعلى المستوى السياسي، ثمة كلام كثير لم يقل بعد عن وجهة الدولة في الانتخابات، وجدلية المشاركة والمقاطعة، وجدول أعمال المرحلة المقبلة، ونوعية الحكومة المطلوبة لما بعد الانتخابات. هل حسمنا أمرنا بخيار الحكومة البرلمانية، أم سنتوقف عند مخرجات التجربة الحالية؟
إن المناسب في هذه الأوقات أن يعود الجميع، وفي مقدمتهم رجال القرار، إلى تقليب أوراق الملك النقاشية ومطالعتها بتمعن، واشتقاق مهمات المرحلة المقبلة من روحها ومضامينها.
لقد رسمت الأوراق الملكية خريطة طريق لمستقبل الأردن السياسي، وحددت بدقة مهمات السلطات. وشرعت الدولة عمليا في تطبيق بعض أفكارها، منذ وجبة التعديلات الدستورية الثانية، وإصرار الملك على تثبيت معادلة استمرار الحكومة لأربع سنوات مشروطة بثقة البرلمان.
هل نضيف شيئا على هذه الخطوات؟ وما هي التعديلات المطلوبة على الخريطة بعد تجربة حكومة د. عبدالله النسور؟
في داخل أروقة الحكم وخارجها، ثمة من يعتقد أن التجربة لم تنجح، فيما يرى آخرون أنها ولدت عرجاء. لسنا في معرض الحسم بشأن صحة هذه التحليلات من عدمها، لكن النقاش عما ينبغي فعله يجب أن يبدأ اليوم قبل الغد، إذا كانت الدولة جادة حقا في تصويب اختلالات الممارسة، وتطوير أسلوب تشكيل الحكومات ليتماشى مع متطلبات الدولة العصرية والديمقراطية التي عبر عنها جلالة الملك في أوراقه النقاشية. وليس مستبعدا أن يكون لدى جلالته شخصيا رغبة في إعادة قراءة الأوراق ومراجعة بعض الأفكار وتجويدها، استنادا لخبرته خلال السنوات الماضية مع الحكومة والبرلمان.
الانشغال بأسئلة المرحلة المقبلة أهم بكثير من ملاحقة التكهنات عن موعد رحيل البرلمان والحكومة.