مرحلة سياسية جديدة يؤسس لها إقرار قانون الانتخاب الجديد؛ إذ عَبَر البوابة التشريعية الأولى ممثلة بمجلس النواب، أول من أمس، ويتوقع إقراره من قبل الغرفة التشريعية الثانية، مجلس الأعيان، في غضون أسبوع، ليلي ذلك صدور الإرادة الملكية به.
عقب استكمال متطلبات إقرار القانون دستورياً، تصبح الدعوة لانتخابات نيابية جديدة مسألة وقت، وكذلك رحيل الحكومة ومجلس النواب الحاليين، تمهيدا لإجراء هذه الانتخابات.
لكن، وبصراحة، فإن موعد رحيل “النواب” والحكومة الذي يشغل كثيراً جداً من النخب، وتنسج بشأنه سيناريوهات، ليس مسألة مهمة إلا من وجهة نظر هذه النخب التي يغذي التغيير طموحاتها لمنصب، فيفتح شهيتها للحديث وإطلاق الاشاعات.
إذ إن بضعة أشهر إضافية للحكومة في “الدوار الرابع”، وللنواب الحاليين في “العبدلي”، لن تحدث فرقا كبيرا، إن سلبا أو إيجابا، على المشهد العام؛ فقد اعتاد الناس الشكوى من الحكومة، والتعبير عن عدم رضاهم من أداء النواب الذين فشل مجلسهم الحالي في تغيير صورته في ذهن الأردني.
لكن لأن الرحيل -الحكومي والنيابي- بات مسألة وقت، فإن الأجدر والأنفع أن نفكر في مرحلة ما بعد ذلك، وليس ما قبله حتماً، لأن شكل الأردن ومناخه، على أكثر من صعيد، سيعتمدان خلال السنوات الأربع المقبلة على الانتخابات الجديدة ومخرجاتها، أي تركيبة مجلس النواب المقبل المعبر عنها بأعضائه الجدد، والتي ستلقي بظلالها، أيضاً، على اختيار رئيس وزراء جديد وفريق حكومي يحملان المرحلة المقبلة بكل تعقيداتها.
الحديث يطول عن التحديات الخارجية، وهي الأبرز اليوم؛ وكذلك عن القلق الداخلي، ويقع الاقتصاد على رأس بواعثه. ومواجهة هذه التحديات تحتاج مجلس نواب قويا؛ يضم شخصيات ثقات، يساعد وجودهم في تغيير نظرة الشعب إلى المجلس الذي يُفترض أن يمثل المواطنين بصدق وإخلاص. وهنا تتبدى المسؤولية الكبيرة على النخب ورجالات الدولة؛ بالقيام بواجبهم تجاه البلد، بأن يكونوا جزءا فاعلاً بناءً من العملية السياسية المستقبلية.
للأسف، الرد على سؤال “هل تفكر بالترشح للانتخابات المقبلة؟” لكثير من السياسيين الذين طالما أمطرونا بالانتقادات للحكومة ومجلس النواب، يكون غالباً بالنفي. والتبرير هو أن هؤلاء لا يرغبون في خوض هذه المعركة، مفضلين التنظير على المنابر، رغم معرفتهم التامة بضعف التأثير من خارج دوائر صنع القرار، أياً كانت حدة التنظير والنقد. ولكأن هوايتهم باتت الجلوس على المنصات، وإشباع الناس قولا، فيما الفعل غائب أو مغيب، والقرار المتخذ مسبقا مع سبق الإصرار، هو عدم دخول العملية الانتخابية، حتى لو كان ذلك حماية للأردن.
المرحلة صعبة وقاسية، والتحديات السياسية والاقتصادية كبيرة. ومن ثم، فإن الأجدى، بل والمقبول فقط، بدلا من الحديث الشعبوي الساعي إلى شعبية لا تُقدم ولا تؤخر، هو أن يتقدم هؤلاء السياسيون الصفوف لخوض الانتخابات، بما يساهم حقيقة في جعلها انتخابات استثنائية، تقدم مجلس نواب مختلفا في أدائه عما سبق، ويؤسس لإنشاء تيارات جديدة تغني الحياة العامة.
حتى اللحظة، ورغم الإيجابيات العديدة التي يحملها قانون الانتخاب الجديد، فإن التردد بادٍ على قرارات العديد من أعضاء النخب المختلفة، بما يكشف -للأسف- نمطا جديد من “الشوزفرينيا السياسية”؛ بالحضور على المنصات انتقاداً، مع الغياب عن العمل الحقيقي، بما لا ينفع البلد وأهله.
هذه النخب أعطاها الأردن الكثير. وأداءً للأمانة الوطنية التي في أعناق أفرادها، فإن عليهم إما أن يترشحوا في الانتخابات المقبلة سعياً إلى تنفيذ رؤاهم ولعب دور في معالجة التشوهات التي يرددون الحديث عنها، أو أن يصمتوا للأبد، لأن الأردني ملّ التنظير والكلام، لاسيما حين يكون مناقضاً لأداء هؤلاء يوم كانوا في مواقع السلطة. فحتى قانون الانتخاب الجديد لم يسلم من سهام من وضعوا لنا قانون الصوت الواحد حين كانوا في مركز صنع القرار!
الاستمرار بالنقد لا يليق أصلا برجال الدولة. وإذا كان هدفه البحث عن شعبية لم تتحقق أثناء وجود أصحابه في موقع القرار، أو تحقيق مكتسبات جديدة، أو تصفية حسابات، فإنه يكون نقداً غير مقبول أبداً، ناهيك عن بدهية عدم جدواه.