أعلنت الحكومة السورية موافقتها على وقف إطلاق النار (تهدئة مؤقتة) اعتبارا من السابع والعشرين من الشهر الحالي، وكذلك فعلت الهيئة العليا للمعارضة بعد اجتماعها في الرياض.
موافقة الطرفين جاءت محملة باشتراطات؛ الحكومة السورية اشترطت استمرار العمليات العسكرية ضد الجماعات الإرهابية وعدم تسهيل دخول المقاتلين من الحدود، وإبقاء الوضع القائم في الميدان من دون تغيير، استنادا لنص الاتفاق الروسي الأميركي، والمعارضة اشترطت رفع الحصار عن 18 منطقة في سورية، وإطلاق سراح السجناء، ووقف القصف الجوي والمدفعي.
بهذا المعنى فإن الاتفاق اختبار صعب ومحفوف بالمخاطر، بالنظر إلى الانعدام المطلق للثقة بين الطرفين، واستحالة تنفيذ بعض الشروط، والتفسيرات المتعددة لبعضها الآخر.
وهو في الوقت ذاته اختبار لقدرة الراعيين الدوليين؛ روسيا والولايات المتحدة. فشل تطبيق الاتفاق يعني أن الطرفين لا يملكان القدر اللازم من التأثير على أطراف الصراع، ويكشف حدود قدرة القيادتين الروسية والأميركية في التحكم بمسار الصراع مستقبلا، وفرض التسوية وفق تفاهمات جنيف وفيينا.
والسؤال هنا: هل تصمد التهدئة في سورية حقا؟
هناك من يرى أن الاتفاق يلبي مصلحة روسيا والولايات المتحدة. لكن هل يخدم مصالح القوى المتصارعة في الميدان؟ وماذا عن موقف إيران أيضا؟
ثمة أمل ضئيل بوجود رغبة حقيقية عند النظام السوري والمعارضة في تمهيد الطريق لحل سياسي انتقالي. باستثناء ضغوط الحلفاء على الطرفين، لا تتوفر دوافع قوية لسلوك هذا الدرب من الطرفين.
يعتقد محللون أن الطرفين اقتربا من إعلان عدم قدرتهما على مواصلة الحرب، وهذا هو الوقت المناسب لنقلهما من حلبة الصراع إلى طاولة المفاوضات. لكن الوقائع الميدانية لا تدعم هذا الاستنتاج؛ النظام وبفضل دعم حلفاء أقوياء كإيران وحزب الله، لن يقبل بغير سحق المعارضة، وفرض أجندته للتسوية.
المعارضة السورية، مجرد إطار افتراضي لا تخضع فصائله وكتائبه التي تعد بالمئات لتوجيهات القيادة السياسية في الخارج، وبعض فصائلها المسلحة ترتبط بتحالف متين مع جماعات إرهابية لاعتبارات ومصالح تكتيكية. وتخشى هذه المجموعات من أن تفتح التهدئة الباب لصفقة على حسابها بين النظام وقيادات الخارج.
وعلى المسرح عدد غير قليل من اللاعبين المهمين، ما يزالون خارج الترتيبات الدولية، ولا يرتبطون بقيادة المعارضة في الرياض. يضاف إليهم “داعش” و”النصرة” ومن هم على شاكلتهما. وهؤلاء جميعا سيعمدون إلى إفشال التهدئة، حتى لا تتوحد جهود كل القوى في الحرب على الإرهاب.
تركيا التي دخلت في مواجهة مفتوحة مع جماعات كردية مسلحة في سورية، غير معنية بالتهدئة. ولروسيا تعريفها الخاص للجماعات الإرهابية، وإذا ما طبقته في الميدان فإن التهدئة ستنهار في اليوم التالي.
وعلى الجهة المقابلة، يمكن لفصيل هامشي مدفوع من طرف خارجي خرق الهدنة بسهولة، ما يوفر حجة قوية للنظام لمعاودة القصف في كل مكان.
وقف إطلاق النار يصبح أمرا ممكنا عندما يكون الصراع بين طرفين. لكن في حالة سورية يبدو الوضع مختلفا تماما؛ عشرات القوى الخارجية موجودة في الميدان، ومئات الفصائل التي لا يربطها رابط، ونظام لا يملك خيارا غير القتال حتى النفس الأخير، وها هو يستعد لانتخابات تشريعية قريبة، من دون اعتبار لحسابات القوى الغربية وجداولها الزمنية لموعد رحيله.