تجاهل أنصار النظام السوري الصفعة القوية التي وجّهها مبعوث روسيا الدائم في الأمم المتحدة، فيتالي تشوركين، للرئيس السوري بشار الأسد، عندما وصف تصريحات الأخير بأنّها “لا تتماشى مع جهود موسكو الدبلوماسية”.
الطريف في الأمر أنّ المبعوث الروسي، في مقابلة مع صحيفة روسية، قلل من أهمية تصريحات الأسد، قائلا: “أعتقد أننا يجب أن نركز ليس على ما يقوله… بل على ما سيقوم به في نهاية المطاف”.
ولم يكتفِ تشوركين بذلك، بل حذّر من تداعيات عدم التزام سورية بنهج روسيا: “إذا اتبعت السلطات السورية نهج روسيا… سيكون لديها الفرصة للخروج من الأزمة بكرامة، لكن إذا ابتعدت عن هذه الطريق فسيكون الوضع صعبا للغاية وبالنسبة لهم أيضا”.
ليس الهدف من ذكر تصريحات المبعوث الروسي “مناكفة” من يهللون للانتصارات التي يحققها الجيش السوري في أكثر من مكان في مواجهة المعارضة السورية المسلّحة، وبصورة خاصة في ريف حلب، بل هو تذكيرهم بحقائق مريرة عن الصراع السوري الداخلي؛ في مقدّمتها أنّ هذه الانتصارات المؤقتة، كانت أبعد ما تكون لو لم يتدخل حزب الله أولاً، ثم الحرس الثوري الإيراني ثانياً، مع مليشيات من العراق وأفغانستان وإيران، وأخيراً دخول سلاح الجو الروسي على الخطّ ليقلب موازين القوى عبر استراتيجية “الأرض المحروقة”.
بطبيعة الحال، وفي ضوء موازين القوى والمصالح التي تحرّك الدول، فلا نتوقّع أن تكون هذه المساعدات السخّية ومليارات الدولارات المدفوعة، من دون مقابل، أو لجمال عيون الأسد؛ فهناك ثمن سيدفع في المقابل، كبير جداً، من استقلالية قرار النظام السوري، ومن النفوذ الذي يسعى إليه أصدقاؤه الحاليون، الذين وضعوا إمكاناتهم العسكرية لخدمة بقائه، لا تحت تصرفه، لأنّ الواقع عملياً هو أنّ جيش النظام هو تحت تصرفهم، وفق عملياتهم العسكرية، وهم الذين يخططون اليوم سير المعارك، بينما الرئيس في موقع أقرب إلى المتفرّج والمشجّع لأصدقائه.
الثمن بدأ الأسد بدفعه، بطبيعة الحال، عبر إمساك الإيرانيين والروس بزمام القرارات السياسية والعسكرية، فأصبحوا هم من يقرر التسويات الداخلية، وإدخال المعونات الغذائية، ويخططون للمعارك، ويوقعون مع الأميركيين أو الفصائل السورية المسلّحة وقف إطلاق النار، وتبادل الأسرى، وحتى تبادل السكّان، مثل اتفاق الزبداني-كفريا الفوعا!
القصة لا علاقة لها بنظام ممانعة أو إسرائيل أو أيّ من هذه الأوهام الغريبة، التي لا تسكن إلاّ في عقول بعض أنصار النظام هناك. فالروس وقعوا اتفاقيات وتفاهمات مع الإسرائيليين، وأسسوا لجنة مشتركة، والإيرانيون يبنون نفوذاً دائماً في سورية، ويسعون إلى استنساخ النموذج العراقي، بينما الشعب السوري أصبح نصفه بين مشرّد في الخارج والداخل أو معتقل أو هارب أو قتيل، وأكثر من 40 % من المساكن والبيوت تمّ تدميرها في القصف الجوي المستمر، فعن أيّ انتصار تتحدثون؟!
على الطرف المقابل، لن يكون انتصار “داعش” أو “النصرة” أو أي فصيل متطرف، انتصارا للشعب السوري وثورته. فليس لذلك خرج الناس وواجهوا القمع والقتل والتنكيل من قبل النظام السوري، وفقدوا منازلهم واستقرارهم وأمنهم؛ الهدف الحقيقي كان الديمقراطية والحرية والتحرر من النظام القمعي البوليسي، الذي استمر يتحكم بالرقاب عقوداً طويلة، لا من أجل أن يقيموا نظاماً شبيهاً بنظام “داعش” أو نظاما أصوليا يُعدّ النظام السوري جنّة مقارنةً به!
في رواية “الموت عمل شاق” لخالد خليفة، يتساءل بطل الرواية بالقول: “ماذا نفعل بنصرٍ يرشح دماً؟!”، لكنه ليس نصرا على الأعداء، بل على المواطنين السوريين، أيّاً كان المنتصر!