مقالان يستحقان القراءة المعمّقة (نُشرا في “الغد” أمس). الأول لرئيس الوزراء ومجلس الأعيان الأسبق طاهر المصري، بعنوان “مخاوف الأردنيين مشروعة”؛ والثاني مترجم عن مجلة “الشؤون الخارجية” (Foreign Affairs) المعروفة، للكاتب آرون ميجد، بعنوان “هل وجد داعش ندّه؟ كيف منع الأردن وقوع هجمات إرهابية كبيرة”.
بالرغم من أنّ المقالين يبدوان متباعدين في الموضوع، إلاّ أنّ قدراً أكبر من التأمل في مستوى التحليل فيهما يقودنا إلى أنّهما -بالفعل- متكاملان تماماً، ويتوافران على قراءة تحليلية مهمة، تستحق عصفاً فكرياً داخلياً كبيراً.
طاهر المصري الذي يبدي اهتماماً ملحوظاً وكبيراً في الآونة الأخيرة بالمعادلة الداخلية، يشير في مقاله إلى التحولات الإقليمية العميقة المحيطة بالأردن، من تشكّل محاور وتحالفات جديدة.
وهنا، تحديداً، يشي المصري بمخاوفه وهواجسه من دون أن يفصح عنها تماماً، بالقول إنّ “السنوات الخمس المقبلة ستكون سنوات ذهبية لتنفيد مخططها (أي إسرائيل) الشرير في الضفة الغربية والقدس، وبشأن المسجد الأقصى، من دون حسيب أو رقيب، وإجراءات إسرائيل هذه تتعارض مع الأمن الوطني الأردني، لما سيتبعها من تداعيات على الساحة الإقليمية والسلم الأهلي في الأردن. وإذا ما تعارضت سياسات وبرامج وخطط إسرائيل مع السيادة الأردنية أو الأمن الوطني الأردني، فإنها ستختار حتماً مصلحتها وتنفّد ما تريد”.
وفقاً لفرضية المصري نفسها، فستكون هناك محاولة إسرائيلية لتغيير الأوضاع والوقائع على الأرض، بما لذلك من تداعيات على “السلم الأهلي” الداخلي. ثم يمضي في تحليل شبكة التحالفات الخارجية الأردنية؛ السعودية، وأميركا، والقضية الفلسطينية- إسرائيل، ليصل إلى نتيجة بأنّها لم تعد بالصلابة السابقة، ما يدفع إلى تفحّص “الجبهة الداخلية” ومدى صلابتها وقدرتها على حماية الأمن الوطني والمجتمعي.
هنا، أيضاً، يضيف المصري متغيرات جديدة مرتبطة بالتحولات الديمغرافية وموجات الهجرة الجديدة، والقلق من تراجع أسعار النفط وانعكاسه على حوالات الأردنيين العاملين في الخليج، ما يدفع إلى التفكير في المستقبل بما يسميه “خارج الصندوق”؛ وهو تعبير صحيح مقارنة بالمعالجات التقليدية التسطيحية من قبل الحكومات لهذه التطورات التي أصبحت بمثابة كرة الثلج المتدحرجة!
المقال الثاني لآرون ميجد، فيه تحليل لافت للأسباب التي جعلت الأردن بعيداً عن مرمى أهداف تنظيم “داعش”، فلم تقع حوادث كبيرة ولا خطيرة، بالرغم من قرب التنظيم جغرافياً من الأردن، وتنفيده كمّاً كبيراً من العمليات في الدول المحيطة. وبالرغم كذلك من مدخلات ومعطيات قد توحي بوجود إمكانات لنمو التنظيم داخلياً، مثل نسبة البطالة المرتفعة بين الشباب، وبالرغم من وجود قرابة 2000 شخص يشاركون في القتال في الخارج، في كلّ من “داعش” و”جبهة النصرة”.
ربما السؤال المسكوت عنه، والذي كان من المفترض أن يُطرح: لماذا يتوجهون إلى الخارج ويفشلون في الداخل؟ للإجابة عن ذلك يستعرض ميجد عوامل قوة الدولة، مثل الجيش الذي يمنع الاعتداء في الخارج، والمخابرات التي يصفها بأنّها أقوى جهاز في العالم العربي، ويرى خبراء أنّها تتجاوز في نفوذها في المنطقة القوة المعروفة عن جهاز “الموساد” الإسرائيلي.
لكن العامل الأكثر أهمية، برأي الكاتب، هو الفضاء السياسي الداخلي. إذ برغم أنّ الأردن ليس دولة ديمقراطية ناجزة، إلاّ أنّ هناك مناخاً من التسامح السياسي، وطريقة متقدمة من قبل النظام في التعامل مع المعارضة و”الربيع العربي”، واستخدام ذكي لشيوخ السلفية الجهادية، وعلاقة سلمية مع جماعة الإخوان المسلمين، ما يجعل من وجود مبررات لعمليات “داعش” في الداخل ضعيفاً ومحدوداً.
في الخلاصة؛ أيّا كانت التحليلات للمتغيرات الإقليمية وخطورتها، فإنّ سرّ عبور الأردن واستمرار نجاحه مرتبط، بصورة أساسية، بكلمة السرّ: المعادلة الداخلية والإصلاح السياسي؛ فالأمن في رعاية السياسة.