خروج زكي بني ارشيد من السجن، وفق تفسير أعضاء في جماعة الإخوان المسلمين، هو كلمة السرّ في توافق الأغلبية المطلقة لمجلس شورى الجماعة على التعديلات الأخيرة الإصلاحية على النظام الداخلي من جهة، والليونة والمرونة اللتين أبدتهما قيادة حزب جبهة العمل الإسلامي مع الاستقالات والعودة عن قرار فصل أعضاء في الحزب.
يبدو المضمون الجديد للتعديلات على النظام الأساسي، والتوجهات الجديدة للجماعة وجبهة العمل الإسلامي، على درجة كبيرة من النزوع الإصلاحي والمراجعة الداخلية؛ مثل فك الارتباط بالجماعة الأمّ في مصر، وزيادة تمثيل الشباب والمرأة، وإعادة النظر في العلاقة بين الجماعة والحزب لمنح الأخير قدراً كبيراً من الحرية والمرونة السياسية.
لكنّ المشكلة الجوهرية في هذه الإصلاحات تتمثّل في التوقيت؛ أي أنّها جاءت متأخرة قرابة عام عن موعدها المطلوب ونضوجها الحقيقي. فما حدث من ضرر لا يمكن إصلاحه عبر هذه الخطوات، وربما المطلوب أصبح اليوم أكثر بكثير مما تقدّمه القيادة الحالية، التي بقيت في حالة إنكار كاملة للمراجعة الداخلية وللإفادة من دروس التجربة المصرية، إلى أن تجذّرت الخلافات داخل الجماعة، فأصبحت جماعات.
القسوة على خطأ القراءة لدى قيادة الجماعة، بصراحة، تثيرها الدهشة من هذا الانقلاب الكبير في مواقفها؛ من حالة الإنكار والتشدد مع المخالفين إلى هذه المرونة الهائلة الكبيرة، إلى درجة العودة عن قرارات الفصل، وكان من المفترض بهذا التيار أن يسأل نفسه سؤالاً: ماذا لو لم يخرج بني ارشيد من السجن، هل كانوا سيستمرون على المواقف نفسها؟ ولو كانوا يملكون أفقاً سياسياً، ألم يكن الأجدى بهم إدراك حجم الأخطاء الكارثية في رهاناتهم وحساباتهم قبل خروج الرجل؟!
على أيّ حال، تبقى هي خطوات جيّدة وفي الاتجاه المطلوب، لكنّها لا تعني نهاية أزمة الإخوان، لسببين جوهريين؛ الأول كما قلنا، يتمثل في التوقيت، فالجماعة خسرت معركة الوقت بقوة. والثاني، أنّها ما تزال خطوات غير كافية، فما يحدث من تطورات في المنطقة يدفع إلى ما هو أكبر بكثير من المراجعات الحالية، وإلى خطوات نوعية أكثر جرأة وقوة وشجاعة لتجاوز الوقت، بدلاً من اللحاق المتأخر به!
ما هي هذه الخطوات؟
أولاً؛ الفصل الكامل، أو التمييز -كما يحلو للبعض- بين الجانب الدعوي والسياسي. وذلك يعني أن تخرج الجماعة بالكلية من حقل العمل السياسي، وتكتفي بالدور الدعوي والأخلاقي والتربوي، بل وأن تطوّر هذا الدور وأدواته ومناهجها القديمة، وتعيد النظر في الأدبيات التي تدرّس في أسرّ الجماعة وكتائبها وشعبها.
ثانياً؛ “تعويم” الدور السياسي للجماعة، أي أن تترك التمثيل السياسي لأفكارها وقيمها لأيّ حزب سياسي، ولا تلزم أعضاءها بحزب معين، فتتحول لتصبح بمثابة مدرسة روحية دعوية فكرية تمثل مرجعية لكثير من العاملين في الحياة السياسية، وتترك لأفرادها حرية الاختيار والعمل السياسي والحزبي، في ظل الخلافات الواضحة، الشخصية والسياسية، بين الاتجاهات المشكّلة لها حالياً.
ربما هذا الخيار ستضطر إليه الجماعة، ليس حبّاً لكنّ بحكم الأمر الواقع. مع ذلك، فهو أفضل بكثير للأفق المستقبلي. فالجماعة أصبحت ضمنياً محظورة، بعدما صعدت الجمعية المرخّصة، التي وإن لم تكن فاعلة ولا قوية، إلاّ أنّها احتلت المساحة القانونية للجماعة.
هذه التغييرات المطلوبة ليست إملاءات من الدولة، بل هي ضرورة واقعية كي تتمكّن الجماعة من الخروج من النفق الحالي الذي يتجاوز الأردن إلى مراجعة مشروع الجماعة نفسه، وإلاّ فإنّ التفكك والخلافات والأزمة الداخلية ستبقى تعصف بالجماعة إن لم تتطوّر وتطوّر نفسها وتدرك بأنّ اجتهاد حسن البنا في كل شيء ليس مقدّساً ولا محصّناً من التجديد والتطوير والاجتهاد.