يكذب بنيامين نتنياهو أمام المحكمة العليا الإسرائيلية، حين يؤكد أن الأردن تخلى عن فكرة شراء الغاز الإسرائيلي؛ إذ هو يحاول، في الواقع، الضغط على القضاء لإنهاء القضية المرفوعة ضد حكومته، عبر ادعاء أن تأخير توقيع الاتفاقية مع المملكة هو المسؤول عن إلغائها المزعوم من قبل الجانب الأردني.
محلياً، ما تزال حكومتنا صامتة تفضل عدم الحديث عن الملف، لكأنها تحضر لنا مفاجأة الموسم! إلا أن الكشف غير المقصود عن اجتماع سرّي عقد في أحد فنادق عمان بين موظفين فنيين من الحكومة الأردنية وشركة “نوبل أنيرجي” صاحبة امتياز استغلال الغاز الإسرائيلي، أجلى حقيقة القصة.
إذن، المفاوضات الأردنية-الإسرائيلية بشأن استيراد الغاز مستمرة. ورسميا، فإن كل ما فعلته الحكومة حتى الآن هو عدم طي الملف برفض الاتفاقية بشكل نهائي، بل هي تسعى إلى إعادة التفاوض مع الجانب الإسرائيلي والشركة الأميركية لتحقيق موقع تفاوضي أفضل للأردن، يعفيه من كثير من البنود المجحفة، لاسيما تلك المتعلقة بالكميات والأسعار، بهدف تخفيضهما.
المعلومات، أولا وأخيرا، تعتمد على معلومات ترشح من هنا وهناك، وهي بالتالي تظل غير مؤكدة قطعياً، طالما أن الحكومة لم تفصح عن ذلك، ولم تضع الرأي العام الأردني في صورة التطورات التي لحقت بصفقة الغاز، كما فيما يتصل بالمستجدات الخاصة بالمصادر الأخرى للطاقة.
مجموعة من النواب تقدموا بطلب لمناقشة صفقة الغاز مع إسرائيل، عقب خبر “الغد” قبل نحو أسبوع بشأن اجتماع عمان مع “نوبل إنيرجي”. ولربما تكون الفرصة مؤاتية الآن لتقديم الموقف الحقيقي رسمياً، وآخر ما طرأ على هذه الصفقة.
ثمة طرف ثالث معني بالقضية، هو الولايات المتحدة التي تضغط سفارتها في عمان على الحكومة لأجل تسريع توقيع الاتفاق بشكله النهائي. إذ إن آخر إجراء فعلي هنا كان توقيع مذكرة التفاهم الأولية بهذا الخصوص.
في البدايات، كان الموقف الشعبي من الاتفاق هو رفض للمبدأ، قائم على عدم القبول بالتطبيع الاقتصادي، وتحديدا في هذا القطاع الحيوي الحسّاس.
واليوم، يتعزز هذا الرفض بالتطورات الإيجابية الكبيرة التي لحقت بقطاع الطاقة محلياً، والتي باتت تغني عمليا عن صفقة مجحفة للأردن لناحية السعر والكميات، تخدم الأطراف الأخرى أكثر مما تساعد المملكة على تحقيق أمن الطاقة.
أبرز التطورات هي إنجاز مشروع استيراد الغاز من الأسواق العالمية بوجود باخرة الغاز، من دون حاجة لكميات ضخمة ربما لا نقدر على استهلاكها مستقبلا. فما الحاجة للغاز الإسرائيلي-الأميركي طالما بتنا نصدّر الغاز لمصر؟!
باختصار، لم نعد نحتاج إلى هذا المصدر من الطاقة، خصوصا أن إدارة مصادرها الأخرى تسير في الاتجاه الصحيح. وإذا كان واردا، في السابق، أن نخضع بتوقيع الاتفاق المعروض إسرائيلياً، حرصاً على مصلحة الأردن والسعي لإخراجه من أزمته العميقة بعد انقطاع الغاز المصري في سنوات خلت، فإن الموقف حالياً مختلف تماماً، إذ لم نعد نحتاج حتى للغاز المصري أيضا.
كذلك، قطع السير في مشاريع الطاقة المتجددة، من رياح وشمس، شوطا مهما. هذا عدا عن أن الإرادة السياسية قائمة للمضي في توليد الطاقة النووية، وبما يعني احتمالية تحقيق الاكتفاء الذاتي من دون حاجة لصفقة الغاز وفق أي شروط؛ منصفة أم تفضيلية أم مجحفة.
طالما تمنى الأردني أن يتخلص من أزمة الطاقة، وطالما تكاثرت الدعوات للحكومات للمضي في تنفيذ استراتيجية الطاقة. ولم تكن غاية ذلك أن نعود لنرهن الاقتصاد لمصدر طاقة وحيد. وقد قطعنا شوطا كبيرا فعلاً على هذا الصعيد، فلماذا العودة إلى الخلف الآن؟!