وفقاً لممثل مفوضية الأمم المتحدة للاجئين، أندرو هاربر، فإنّ هناك قرابة 70 ألف سوري ينزحون من درعا إلى القرى الحدودية مع الأردن، في ظل مخاوف بارتفاع كبير في أعدادهم جرّاء القصف الروسي المكثّف، الذي يوفّر غطاءً كاملاً لتقدم الجيش السوري باتجاه الحدود مع المملكة.
من الواضح أنّ “سيناريو حلب” ينتقل إلى درعا. ما يعني أنّ هناك مآسي إنسانية متوقعة في الجنوب السوري، مع ارتفاع متوقع في أعداد اللاجئين قد يصل إلى مئات الآلاف، بخلاف قناعة مسؤولين أردنيين يرون أنّ العدد لن يتجاوز بضعة آلاف، بسبب أنّ المناطق الوسطى والجنوبية أُفرغت أصلاً من سكّانها، وهي قراءة خاطئة تماماً. فالمعلومات الأولية لدى مفوضية اللاجئين تؤكد أنّ ما حذرنا منه سابقاً هو الأكثر دقّة، أي تدفق مئات الآلاف إلى الحدود الأردنية، ما يخلق ضغوطاً إنسانية ودولية كبيرة علينا.
مع التذكير بأنّ هناك -في الأصل- مخيمين اليوم على الحدود الشمالية الشرقية (الركبان والحدلات)، فيهما ما يقارب 16 ألف شخص، عدد كبير منهم من الأطفال. وهو رقم مرشّح للازدياد خلال الفترة القريبة المقبلة. وإذا ما زادت الأوضاع الإنسانية سوءاً، فسيجد “مطبخ القرار” نفسه في مأزق دبلوماسي وإنساني كبير!
المعركة العسكرية لن تكون سهلة في درعا، فهناك ما بين 50 ألفا إلى 70 ألف مقاتل؛ قرابة 40 ألفا منهم من “الجبهة الجنوبية” (الجيش الحرّ) التي تحظى بعلاقات دافئة وجيدة مع الأردن، و5-7 آلاف من “جبهة النصرة”، والفصائل القريبة من الخطّ السلفي الجهادي مثل المثنى بن حارثة ولواء شهداء اليرموك (الذي بايع “داعش”)، وفصائل ذات لون إسلامي وطني.
هؤلاء المقاتلون لن يستسلموا مهما كان الثمن للجيش السوري، وسيقاومون حتى آخر رمق، وستتحول المعركة بين الطرفين إلى “حرب عصابات” وكرّ وفرّ، وعمليات انتحارية. ولأنّ الحدود الجغرافية الأردنية-السورية ممتدة إلى مساحات واسعة (قرابة 375كم)، فإنّ المعارضة قد تجد نفسها “محصورة” بين الحدود الأردنية والجيش السوري المتقدم، في بعض الأوقات، أو بالقرب من مخيمات اللاجئين، الذين سيلاصقون الحدود خوفاً من تداعيات “الجحيم الروسي” الموعود!
نجح الأردن، تكتيكياً، خلال الأعوام الخمسة الماضية في عدم الانزلاق إلى مخاطر عسكرية وأمنية، وأدار معركته بـ”خيط من ذهب”، وكان براغماتياً في التعاطي مع “المدخلات” المتناقضة، في الضغوط الإقليمية من جهة، والعلاقة مع المعارضة من جهة أخرى، والنظام السوري من جهة ثالثة، والتوجهات الدولية-الأميركية من جهة رابعة.
بالرغم من هذه المقاربة التكتيكية المتحرّكة، أو “البراغماتية الوطنية” (أي التي تقوم على أولوية المصالح الوطنية والأمنية الأردنية)، نجح الأردن في أمور استراتيجية وأساسية. أولاً، “رعاية الجنوب” عسكرياً وإنسانياً، في ظل انحسار النظام السوري، إذ حيّد “النصرة” كثيراً، وضمن عدم وجود “موطئ قدم” حقيقي لداعش، وجمّع الفصائل المختلفة تحت مظلة “الجبهة الجنوبية”، وأقام علاقات عميقة مع العشائر الحورانية مسنودة بدور إنساني اقتصادي، ما خلق ما سمي باستراتيجية “الوسادات” لحماية الأمن الوطني الأردني، عبر علاقات إيجابية مع أهل الجنوب.
إلا أنّ هذه المعطيات تغيّرت مع التدخل العسكري الروسي، ثم انقلاب الاستراتيجيات الغربية والأميركية، ودخول السعودية في حرب اليمن، وتجلّت تماماً مع اغتيال زهران علوش، وصولاً إلى خرق وقف إطلاق النار الذي توصّل إليه الأردن من أجل تجنيب الجنوب ما يحدث وسيقع قريباً!
هذه المتغيرات يدركها صانع القرار جيدّاً. والمقاربة الأردنية تقوم على عدم التدخل المباشر، وعدم الاصطدام مع “التدخل العسكري الروسي”. لكن ماذا عن المخرجات الخطيرة القادمة؛ عسكرياً وأمنياً وإنسانياً؛ كيف سنتعامل معها بعد أن انتهى مفعول المقاربة السابقة؟!