” .. بعد أكثر من عقدين من اتفاقات أوسلو ثم الإعلان عن حل الدولتين من قبل الإدارة الأميركية عبر المفاوضات، لم يعد ذلك قائما الآن جراء تعنت الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة وبالأخص الحكومة الحالية بزعامة بنيامين نتنياهو الذي نسف كل ما يؤدي الى حل سياسي قائم على التفاوض. وما ترتب على ذلك من جانب الطرف الفلسطيني الرسمي بالتخلي عن خيار المقاومة منذ اوسلو.”
ــــــــــــــــــــــــــ
انطلقت يوم الاحد الماضي في العاصمة القطرية الدوحة جولة مفاوضات جديدة لتحقيق المصالحة بين حركتي فتح وحماس. وتأتي هذه الجولة في وقت بالغ الصعوبة بالنسبة للقضية الفلسطينية عموما.
عقب الانتخابات العامة التي جرت في الاراضي الفلسطينية عام 2006، وفوز حركة المقاومة الاسلامية فيها، سرعان ما دب الخلاف بين الفصيلين الفلسطينيين الكبيرين حركة فتح وحركة حماس. وترتب على ذلك ان سيطرت حركة حماس على قطاع غزة في عام 2007. ومنذ ذلك الحين، تجري من وقت لآخر محاولات لرأب الصدع وإنهاء الخلاف بين الطرفين والعمل على لم الشمل والتوصل الى اتفاق مصالحة يجمع الفصيلين. لكن حتى الآن تراوح محاولات المصالحة مكانها ولم يتم التوصل الى اتفاق نهائي يجري تنفيذه على الارض بين الفصيلين.
غير ان القضية الفلسطينية تتعرض الآن لضغوط وعوامل تجبر طرفي النزاع على التوحد وتحقيق المصالحة وعدم تعنت أي منهما في سبيل ذلك. واذا كنا نرى ابتسامات عريضة في وجه ممثلي حركة فتح والسلطة الفلسطينية في لقاءاتهم السابقة مع المسئولين الاسرائيليين، فهل نطمع في ان نرى مثل ذلك الوجه المبتسم في وجه المفاوضين من حركة حماس ولا يكون ذلك الوجه العبوس المكفهر الذي نلحظه في كل مرة من مرات لقائهما.
ان الوضع الفلسطيني الحالي يحتم المصالحة وذلك لعدة اسباب من بينها:
ـ انغلاق الأفق السياسي في وجه الفلسطينيين. فبعد اكثر من عقدين من اتفاقات اوسلو ثم الإعلان عن حل الدولتين من قبل الادارة الاميركية عبر المفاوضات، لم يعد ذلك قائما الآن جراء تعنت الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة وبالأخص الحكومة الحالية بزعامة بنيامين نتنياهو الذي نسف كل ما يؤدي الى حل سياسي قائم على التفاوض. وما ترتب على ذلك من جانب الطرف الفلسطيني الرسمي بالتخلي عن خيار المقاومة منذ اوسلو. وقد اثبتت التجربة فشل ذلك بشكل واضح، وإلا ما كان هذا التنمر الصهيوني. وقد اتضح في السابق ان العمليات الاستشهادية التي كانت تستهدف قلب الاحتلال، كانت الدافع او الضاغط الاساسي وراء رضوخ الحكومة الاسرائيلية ومحاولة تغيير جلدها بإعطاء الفلسطينيين الامل في وجود افق سياسي. في حين انها ازالت هذا القناع الحين وكشفت عن وجهها القبيح بانه ليس في جعبتها سوى التمدد الاستيطاني والتهام مزيد من الاراضي ومزيد من تقطيع اوصال الاراضي الفلسطينية بالحواجز. ومزيد من الاعتقالات والاعتداءات على المواطنين الفلسطينيين. اي الوجه القبيح للاحتلال.
ـ التردي الكبير في الاحوال المعيشية للفلسطينيين سواء في الضفة الغربية او قطاع غزة. ويأتي ذلك جراء الضغوط المالية الكبيرة التي تتعرض لها السلطة في الضفة بسبب سيطرة الاحتلال على غالبية الايرادات المالية الخاصة بها من جمارك وضرائب وغيرها وابتزازها في ذلك بشكل يزيد من معاناتها في توفير الايرادات اللازمة لمعيشة المواطنين. وبالنسبة لغزة فيتزايد تردي الاوضاع في القطاع بسبب استمرار الحصار الجائر. ويظهر ذلك في الازمات الخانقة التي يعيشها القطاع لاسيما في مجال الكهرباء والمياه ورواتب الموظفين وغير ذلك.
ـ الاستفزازات والاعتداءات المتكررة من جانب قوات الاحتلال على البقاع المقدسة وتقييد ومحاولات منع وصول المسلمين الى المسجد الاقصى في الوقت الذي يتم فيه السماح للمتطرفين الاسرائيليين بتدنيس تلك البقاع. مما ألهب مشاعر الغضب الشعبي الفلسطيني وجعله ينتفض في وجه تلك الممارسات القبيحة.
ـ التعنت الاميركي من خلال مواجهة كل تحركات السلطة الفلسطينية على الصعيد الدولي من قبيل الانضمام الى المنظمات والمؤسسات الدولية وجر اسرائيل الى المحكمة الجنائية الدولية والاعتراف بالدولة الفلسطينية وغير ذلك. حيث تسعى الادارة الاميركية بكل ما أوتيت من قوة لإجهاض كل المحاولات الفلسطينية في هذا السبيل.
ـ انشغال اغلب البلدان، ان لم يكن كل، البلدان العربية تقريبا بمشاكلها وأوضاعها الداخلية، حيث صارت اغلب البلدان العربية تعاني من مشاكل مالية كبيرة. فضلا عن انشغال البعض بعدم الاستقرار الداخلي. اضافة الى تورط البعض في صراعات اخرى في المنطقة وتصدر مشاكل اخرى مثل الازمة السورية واليمنية والليبية على حساب القضية الفلسطينية بشكل جعلها تتراجع كثيرا في جدول اولويات السياسات العربية.
ـ انشغال بعض القوى الاقليمية التي كانت تدعم الفلسطينيين بمشاغلها الداخلية وصراعاتها السياسية في المنطقة مثل ايران وتركيا. بل وحتى القوى الكبرى باتت اكثر انشغالا بالقضايا والازمات الاخرى في المنطقة على حساب القضية الفلسطينية.
ـ محاولات بعض الاطراف العربية تذكية الانقسام داخل السلطة الفلسطينية وحركة فتح مثل تذكية الصراع بين جناح رئيس السلطة محمود عباس ومحمد دحلان. وهو الأمر الذي يزيد من الضغط على حركة فتح للاسراع بالمصالحة حتى يكون لها حليف وحتى يكون لها قوة تجعلها قادرة على التصدي للاحتلال فضلا عن التصدي لمحاولات تقسيم الحركة من الداخل.
كما تعاني حماس من تردي علاقاتها بمصر الجار لها والتي تتحكم في معبر رفح رئة القطاع للخارج. ويمكن حال تحقيق المصالحة بين فتح وحماس ان تعمل على بحث آلية ادارة المعابر وخاصة معبر رفح الحدودي مع الجانب المصري الذي لا يرغب في ان تديره حماس. فحال المصالحة والتوافق يمكن ايكال ادارة المعبر لحكومة التوافق وابتعاد حماس عن ادارة المعبر ولو بشكل غير مباشر.
واذا كانت هذه عوامل سلبية تدفع في اتجاه توحيد الجهود الفلسطينية لمواجهتها، فإن هناك في نفس الوقت عوامل ايجابية تدفع هي الأخرى في سبيل اتمام المصالحة الفلسطينية ان لم تكن تحتمها من بينها:
ـ تصاعد حركة المقاومة للاحتلال من خلال تلك العمليات النوعية التي يقوم بها الشباب الفلسطيني بعمليات الطعن لعناصر قوات الاحتلال. الأمر الذي أحدث فزعا ورعبا داخل اوساط كيان الاحتلال على كل المستويات. فضلا عن المظاهرات والمسيرات ورشق قوات الاحتلال بالحجارة وغير ذلك من مظاهر المقاومة.
ـ تصاعد الدعم والتأييد الدولي للقضية الفلسطينية. وذلك بزيادة عدد البلدان التي صارت تعترف بدولة فلسطين في اميركا اللاتينية وفي اوروبا وغيرها. ولعل احدثها اعلان فرنسا عزمها على الاعتراف بالدولة الفلسطينية، اذا لم يتم تحقيق اختراق سياسي. اضافة الى انتقاد الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بشكل واضح لممارسات الاحتلال.
حركة المقاطعة المتصاعدة على الصعيد الدولي لمنتجات مستعمرات الاحتلال خاصة في البلدان الأوروبية كبريطانيا وغيرها.
في المجمل، فإن كل الظروف والأحوال تدفع بالفصيلين الى تنحية خلافاتهما جانبا والوصول الى حلول توافقية ومن ثم تحقيق المصالحة الحقيقية بدلا من التنازع والتشاجر الذي لا يخدم الا اعداؤهم واعداء الشعب الفلسطيني. وإلا سيشهد التاريخ على كل طرف، مهما كانت مبرراته، بأنه تعنت وتخاذل وفرط في حق قضيته. وإذا كان سبق ان تنازل الفلسطينيين عن بعض من حقوقهم لصالح الاحتلال من اجل البقاء، فلماذا لا يتنازل الأخ لأخيه من اجل بقاء واستمرار الشعب الفلسطيني الأبي خاصة في هذه المرحلة التي ينتفض فيها في وجه قوات الاحتلال ويأمل في لحمة ساسته؟
حتمية المصالحة الفلسطينية/ السيد عبد العليم
15
المقالة السابقة