وفقاً للتصريحات الأخيرة لبثينة شعبان، مستشارة الرئيس السوري بشّار الأسد، لوكالة أنباء “رويترز”، فإنّ الهدف من العملية العسكرية الحالية هي ضبط الحدود مع تركيا، ما لن يوقف فقط من يطلق عليهم النظام السوري مصطلح الإرهابيين (ويشمل في منظوره كل المعارضة السورية)، بل أيضاً يضمن منع أي احتمال أو فرصة للتدخل العسكري السعودي والعربي المقترح مؤخراً. ومن الواضح أنّ هناك قراراً حاسماً روسياً بإنهاء ملف الحدود وحصار ما تبقى من حلب المدينة في يدّ الثوار خلال أسابيع قليلة. وبالفعل، أصبحت القوات السورية النظامية مع حلفائها (الحرس الثوري الإيراني وحزب الله) لا يبعدون اليوم سوى كيلومترات قليلة عن الحدود، ما يجعل سيناريو التدخل العسكري البري المطروح غير ممكن واقعياً!
السبب الثاني لعدم إمكانية هذا السيناريو يتمثّل في أنّ مسؤولين خليجيين يتحدثون عن قوات بريّة بإدارة أميركية، لكن من قال إنّ الأميركيين يرغبون في الدخول مع قوات عربية والتورّط في مواجهة عسكرية مع الروس و”داعش” في الوقت نفسه؟ إلاّ إذا كان الحديث، هنا، عن مرحلة لاحقة بعد القضاء العسكري المبرم على المعارضة السورية المسلّحة، هنا وهناك، مع الإبقاء على “داعش” فقط في سورية، لتصبح الحرب بعدها بين النظام السوري وتنظيم “داعش”، وسيكون انحياز الغرب أكثر وضوحاً في الوقوف إلى جانب النظام والروس والإيرانيين!
ما يحدث اليوم هو المضي، فعلياً وتدريجياً، بهذا السيناريو؛ أي التخلص من المعارضة المسلحة غير الداعشية. ويبدو أنّ الجحيم الذي تحدث عنه وزير الخارجية الأميركي جون كيري، خلال الثلاثة أشهر المقبلة، هو أشبه بـ”المهلة الدولية” للروس للإجهاز على المعارضة السورية تماماً، والوصول إلى تفاهمات في سبيل القضاء على “إمارة داعش” في العراق وسورية.
ثمّة انقلاب كامل جذري في المواقف الأوروبية والأميركية من الملف السوري. وهناك قرار غير معلن بإنهاء وجود المعارضة السورية غير الداعشية أو “النصروية” (جبهة النصرة)، خلال العام الحالي، والتفرغ بعد ذلك للقضاء على “داعش”.
لكن تبقى، بالطبع، أسئلة عميقة ومعقدة تحتاج إلى بحث وتفكير وتحليل. الأول، فيما إذا كان بالفعل بإمكان الروس وشركائهم إنهاء الصراع عسكرياً عبر استراتيجية “الجحيم” أو “الأرض المحروقة” (وهنا من الضروري الإشارة إلى أنّنا نتحدث عن حرب عالمية: الروس+ الحرس الثوري الإيراني+ النظام السوري+ مليشيات حزب الله+ مليشيات عراقية وأفغانية؛ في مواجهة المعارضة الوطنية والإسلامية من جهة، وطرف ثالث ضد الجميع أي “داعش” لديه عشرات الآلاف من المقاتلين الوافدين من أكثر من 80 دولة في العالم، و”جبهة النصرة” التي تمثّل فرع “القاعدة” في سورية”؟ أم أنّنا أمام فصل جديد في الصراع، مع بقاء المعارضة قادرة على الصمود والصبر واحتواء الهجمة القاسية الحالية، واستعادة المبادرة، كما حدث في الصراع السوري أكثر من مرّة عبر تبدّل موازين الصراع؟
هذه المرة المعطيات مختلفة؛ فالدعم الدولي والإقليمي توقف تماماً عن المعارضة المسلحة، والأميركيون والغربيون رفعوا أيديهم وتخلوا عن مفهوم “المعارضة المعتدلة”، وأغلقوا غرف العمليات.
هذا ينعكس، بالضرورة، على الجنوب السوري، أي إنّ الدور بالتأكيد قادم إليه، وسوف يشهد هجوماً واسعاً، مع عدم وجود غطاء إقليمي أو دولي يذكر للمعارضة السورية أو الجيش الحرّ. وبالرغم من أن مصادر أردنية تقلل من شأن الهجرة المتوقعة للاجئين السوريين، وتتحدث عن أعداد أقل بكثير مما يحدث على الجانب التركي، إلا أنّني لا أتفق مع هذه التقديرات، وأظن أنّ الموجة ستكون كبيرة.
من المفيد أن نعود إلى السؤال الأول، الذي كانت خطيئتنا أننا نسيناه ولم نفكر فيه جيداً: ما هي أجندة أميركا وإسرائيل الحقيقية في سورية؟!