إعلاميا، يبعث صندوق النقد الدولي برسائل إيجابية للأردن، تتضمن تقديرا للظروف الصعبة التي تمر فيها البلاد لأسباب متعددة، محلية وخارجية.
هذه الرسائل الإيجابية عبّر عنها نائب مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في المؤسسة الدولية عدنان مزراعي، قبل نحو أسبوعين؛ إذ أكد في بيان صحفي أن “هناك تقديرا كبيرا لما قدمه الأردن والشعب الأردني من خدمات إنسانية للاجئين، الأمر الذي زاد من مستوى النفقات، ورتب أعباء مالية جديدة على الحكومة”.
وأظهر أيضا تفهما للضغوط الكبيرة والتبعات الخطيرة للجوء السوري على الخزينة وأرقام المالية العامة، مطالبا المجتمع الدولي بدعم الأردن للتخفيف من الآثار السلبية الكبيرة للحالة الديمغرافية المتنامية، والتي تمتص كل الإيجابيات الممكنة لأرقام النمو المتحققة، على تواضعها.
لكن بعكس كل لغة الدعم والتقدير والتفهم الإيجابية إعلاميا، كما التأكيد على أن المملكة نفّذت إصلاحات اقتصادية ومالية في السنوات الماضية حققت الاستقرار المالي ومكّنت من بناء رصيد مهم من الاحتياطات الأجنبية، فإن لدى “الصندوق” لغة ثانية لا تظهر إلا في الغرف المغلقة، وتقوم -بحسب ما يرد من معلومات- على تقليله من شأن كل ما تم في الماضي، ومن ثم مطالبة الحكومة باتخاذ المزيد من الإجراءات الصعبة لتوفير إيرادات إضافية تقدر قيمتها بحوالي 500 مليون دينار.
الاختلاف بين الحكومة وصندوق النقد الدولي بشأن ما يراه هذا الأخير ويطالب به، يدلل عليه تأخر إقرار البرنامج المقبل مع الأردن. إذ بدأت المفاوضات قبل شهرين، ولم يتفق الطرفان عليه بشكل نهائي حتى الآن. وإن كان متوقعا أن يتم التوقيع على الاتفاق خلال زيارة بعثة “الصندوق” للأردن، والمقررة الشهر المقبل.
في نهاية المطاف، يجب أن يتوصل الطرفان لاتفاق، ليبدأ الأردن تنفيذه لمدة ثلاث سنوات مقبلة. لكن المشكلة الحقيقية التي تحتاج المؤسسة الدولية وخبراؤها إلى التوقف عندها، تتمثل في سؤال: ما هو المطلوب في المرحلة المقبلة؟
هل يستمر “الصندوق” بوضع حلول تقليدية بتنا نعرفها حتى قبل أن تُعلَن بنود الاتفاق مع الحكومة؟ وهي الحلول التي ترتكز، عادة، على سياسة جبائية، تفرض على الحكومات اتخاذ قرارات صعبة تنهك جيب المواطن، وتضر بالطبقة الوسطى، وتعقّد الأحوال الاجتماعية التي ترزح اليوم تحت عبء العلاقة بين المجتمعات الأردنية المضيفة والأشقاء السوريين اللاجئين، والتي يمكن توقع شكلها المقبل في ظل مزيد من الضغوط على الأردنيين.
إن كان صندوق النقد الدولي، كما يزعم، هو أفضل مؤسسة إصلاحية عالميا على المستوى الاقتصادي، ولديه أفضل المحللين وخبراء الاقتصاد، فإن عليه البرهنة على ذلك، عبر مساعدة الأردن في وضع أفكار وحلول من خارج الصندوق، بعيدا عن الوصفات الجاهزة التي تتضمن رفعا للضرائب، وتخلصا من أشكال الدعم. كما لا يجب الاقتراب حتى من السياسة النقدية التي هي مسألة في غاية الحساسية، عدا عن أن كل سياسات “الصندوق”، في مختلف الدول حتى الآن، لم تؤتِ المطلوب منها بمعالجة الأزمات، واليونان أمامنا مثال صارخ على ذلك.
تواجد “الصندوق” في الاقتصاد الوطني هو اليوم مصلحة أردنية، شريطة أن يبتكر حلولا تعالج الاختلالات الحقيقية الموجودة في الاقتصاد، بدلا من أن تكون سياساته وإجراءاته نسخة عن خطط حكوماتنا التي تستسهل تسكين المشكلات، لا حلها جذرياً، وفق مبدأ الجباية وزيادة الضرائب.
الحالة الأردنية التي تشتبك فيها عوامل خارجية وداخلية خلقت هذا الواقع الصعب، هي بمثابة تحد لكل خبراء “الصندوق” بأن يساعدوا المملكة بأسلوب مختلف. ومن ذلك، مثلاً، المطالبة بتخفيض النفقات بدلا من زيادة الإيرادات، وبالتالي تخفيض العجوزات، وتقليص معدل ارتفاع المديونية.
موازنة العام الحالي وضعت تحت إشراف صندوق النقد الدولي، فاطلع عليها بالتأكيد قبل إقرارها من البرلمان. لكنها رغم ذلك بُنيت على زيادة الإنفاق الحكومي بحوالي نصف مليار دينار. فهل للصندوق أن يقول لنا أين كان خبراؤه حين حدد سقف الإنفاق الحكومي؟ وكيف وقع هذا الخطأ الفادح؟